بعد أن أنهى السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري زيارته المهمة للمملكة العربية السعودية وهي الزيارة التي بدأها يوم 23 يوليو الفائت،عاد إلى العراق وهو مدرك أنه بات مقدراً له أن يكون في عين العاصفة، وأنه ربما يدفع حياته ثمناً لتجرئه على تحدي الإرادة والنفوذ الإيرانيين في العراق، لذلك فإنه لم يستطع إخفاء ما يشعر به عن مناصريه الذين التقاهم في تظاهرتهم الضخمة بساحة التحرير وسط بغداد، وصارحهم بما يشعر به من تهديد مذكراً لهم بسيناريو «اغتياله» الذي كان قد حدثهم بخصوصه قبل أسابيع من سفره إلى السعودية وقال: «إذا لم تُكتب لي الحياة، فأسألكم الدعاء، سيما بعد أن انزعج البعض من خطواتي الأخيرة»، في إشارة منه إلى الانزعاج الكبير الذي أبدته طهران وحلفاؤها في العراق من زيارته للسعودية، ومحاولاً تحميل مسؤولية سلامته للأطراف المناهضة لتلك الزيارة.
لم يقصد مقتدى الصدر بالطبع أن يعبر عن مخاوف على حياته بل ما كان يقصده هو مخاوفه على المشروع السياسي الذي يحمله الآن من أجل العراق، سواء على صعيد استعادة الدولة وتجاوز الحكم الطائفي وبناء دولة المواطنة في العراق، أو على صعيد تحقيق التوازن في علاقات العراق الإقليمية وانفتاحه على جواره العربي، لذلك كان حريصاً على أن يخاطب المشاركين في تظاهرة ساحة التحرير بالعمل على الانتصار للدولة وجيشها معلناً رفضه القاطع أن تُمسك الأراضي المستعادة من قبضة «داعش»، أو الأراضي الحدودية، إلا من قبل القوات العراقية، في لفتة لرفضه الصريح والحاسم أن تُسند تلك المهمة إلى ميليشيات «الحشد الشعبي» باعتبارها «ميليشيات تنفذ أجندة إيرانية.
كان مقتدى الصدر واعياً أن ملفات الصراع مع إيران ومع أعوانها في العراق أضحت مفتوحة على مصراعيها، وأن زمن المهادنة قد انتهى لسببين؛ أولهما، أن النتائج المهمة التي حققتها زيارته للسعودية لن تمر بسهولة على إيران وأعوانها، وأنهم لن يتهاونوا في التصدي لأي جهود تستهدف استعادة العراق إلى حاضنته العربية، وأنه بالتالي يجب أن يدافع عن خياراته بكل قوة لأنها باتت خيارات وطنية- عراقية.
وثانيهما، أن التطورات المتلاحقة داخل العراق سواء على صعيد انشقاق السيد عمار الحكيم زعيم «التحالف الوطني» (الشيعي) عن حزبه «المجلس الإسلامي الأعلى» وخروجه عن عباءة إيران، أو على صعيد استعدادات الأحزاب والقوى السُنية العراقية لإعادة ترتيب أوضاع «البيت السُني» استعداداً للانتخابات التشريعية التي من المقرر أن تجرى في الربيع القادم، أو حتى على صعيد تكثيف واشنطن لوجودها وقواعدها العسكرية في منطقة غرب الموصل وعلى الحدود العراقية - السورية لقطع الطريق على إيران لإقامة مشروعها المأمول بفتح طريق بري يربط بينها وبين سوريا عبر الأراضي العراقية، وكلها تطورات تعمل في الاتجاه المضاد تماماً للمصالح الإيرانية.
كان مقتدى الصدر واعياً لذلك كله، ومن هنا جاءت مباركة الهيئة السياسية للتيار الصدري إعلان عمار الحكيم تأسيس حزبه الجديد الذي أعطاه اسم «حزب الحكمة الوطني»، وهي مباركة تعني تأييد انسحابه من زعامة «المجلس الإسلامي الأعلى» الموالي لإيران.
لغة البيان تقول إن هناك مساحة كبيرة من التفاهمات بين مقتدى الصدر وعمار الحكيم، وليس من المستبعد دخولهما في تحالف سياسي أو على الأقل تحالف انتخابي مشترك يقوم على أساس مشروع وطني غير طائفي في العراق بمشاركة أطراف شيعية وأخرى سُنية على أرضية المواطنة وليس الطائفية. وليس من المستبعد أن تكون إيران هي أول من يتابع ما يجري الآن من التفاهم حوله من خرائط التحالفات الجديدة،لذلك حتماً أن إيران كانت شديدة الانزعاج من الأدوار الجديدة التي يقوم بها حلفاؤها السابقون. مقتدى الصدر وعمار الحكيم اللذان يقودان الآن مهمة تفكيك تبعية العراق لإيران واستعادته لنفسه ولعروبته.
وسط هذا كله جاءت الزيارة المفاجئة التي قام بها مقتدى الصدر للإمارات العربية ولقاؤه في أبوظبي مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكبار رجال الدولة، وهي الزيارة التي اعتبرها الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية بأنها«تحمل دلالات مهمة»وقال عنها «إن طموحنا أن نرى عراقاً عربياً مزدهراً مستقراً.. التحدي كبير والجائزة أكبر»، ومعتبراً أن استقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد للسيد مقتدى الصدر «جزء من التواصل الخليجي مع العراق، بدأنا كمجموعة مرحلة بناء الجسور والعمل الجماعي المحلي» وهذا يعني أن زيارة الصدر للإمارات تحمل دلالات قوية لانفتاح عربي على العراق لا تقبل به إيران وستعمل حتماً ضده ومن هنا تتكشف معالم التحديات الجديدة أمام مقتدى الصدر بعد عودته من أبوظبي.
هي إذن صدمة جديدة لإيران، عنوانها مقتدى الصدر، والصدمة يمكن أن تتضاعف لو زار السيد عمار الحكيم الرياض وأبوظبي في الأيام القادمة، هي صدمة لإيران وهي مسؤولية وتحديات كبيرة سيخوضها حتماً مقتدى الصدر وعمار الحكيم وغيرهما من رجال العراق لاستعادة العراق لشعبه وعروبته وهذه هي أولى معالم الطريق الجديد للعراق.
عن الخليج الاماراتية