01 حزيران 2015
1. صاروخ «غراد»، الذي سقط يوم الثلاثاء الماضي ليلا على حديقة «يفنه»، الإطلاق بعيد المدى الأول من غزة منذ عملية «الجرف الصامد» في صيف 2014، كان حدثا محليا، تم احتواؤه بسرعة، بفضل الحذر الذي يبديه حتى الآن وزير الدفاع، موشيه يعلون، ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.
يجب ألا تؤثر الحادثة على الاهتمام بالأمور المهمة التي تحدث في الشرق الاوسط وتتصل بالامن القومي لاسرائيل، وهي الحروب في سورية والعراق، والتي تقضي على الدولتين، أو ما تبقى منهما. وايضا اجراءات «الدولة الاسلامية» (داعش) في الأسابيع الاخيرة.
السبب وراء اطلاق الصاروخ من غزة هو خلاف داخلي في «الجهاد الاسلامي» – بعض النشطاء رفضوا تعيين أحد القادة المحليين في المنظمة. اسرائيل و»حماس» و»الجهاد الاسلامي»، الذي دخل في خلاف، مؤخراً، مع الراعية إيران، لا يريدون التصعيد الذي قد يقود الى حرب رابعة في غزة. تتصرف اسرائيل عمليا في غزة عكس مصالحها الامنية. أرادت اسرائيل الوصول الى ترتيب بعيد المدى، لكن من المشكوك فيه ان الأمر ممكن. ليس فقط بسبب الفجوات بين اسرائيل و»حماس»، بل بسبب «فيتو» رئيس مصر، عبد الفتاح السيسي.
جنباً الى جنب مع البارزين في النظام، تزداد كراهية السيسي للتنظيم الاسلامي الذي يفقده عقله. وحسب النظام في القاهرة فإن «حماس» و»الاخوان المسلمين» هم الشيء ذاته. ويتهم السيسي «حماس» بالتعاون مع «انصار بيت المقدس»، الذي قدم الولاء لـ»داعش» وغير اسمه إلى «الدولة الاسلامية - ولاية سيناء». لا يوجد دليل على الادعاء المصري حول علاقة كهذه. وبالتأكيد لا توجد مساعدة ممأسسة من قبل «حماس» لـ»الارهاب» في سيناء.
لا تريد اسرائيل الحوار مع «حماس»، خوفا من غضب السيسي وبالتالي التأثير على التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدولتين.
2. تلقى الجيش السوري، هذا الشهر، ضربات قوية في عدة محاور، وحليفه رئيس «حزب الله»، حسن نصر الله تحدث (من المخبأ) بشكل يدلل على الضغط الواقع فيه بسبب انجازات المتمردين، بالذات «داعش». تحدث نصر الله عن «داعش» بكلمات «تهديد وجودي» أما راعيه، قاسم سليمان، قائد قوات القدس في الحرس الثوري الايراني، فانتقد تساهل الولايات المتحدة في الحرب ضد التنظيم السني في العراق.
ولكن رغم «حزب الله» وايران فلا زال مبكرا نعي نظام الاسد، ونهاية الرئيس السوري ليست قريبة بعد، ولكن وزير الدفاع السابق، ايهود باراك، الذي يعتبره مقربون انه ذات قدرة تحليلية فوق طبيعية، قال في آذار 2011 وبعد اندلاع الحرب الاهلية في سورية بعدة اسابيع «إن الاسد سيسقط خلال ثلاثة أسابيع» ولكن مياها كثيرة سارت منذ ذلك الحين في نهر الفرات، والحرب الاهلية في سورية مستمرة منذ 50 شهرا، والنهاية لا تظهر في الافق.
فقد الجيش السوري مدينة تدمر، جنوب شرقي الدولة، لصالح برابرة «داعش»، حيث تعود العالم على الأفعال الشنيعة ولم يعد ينفعل لها. ولحقته خسائر ايضا في إدلب في الشمال من قبل جبهة النصرة (التابعة لـ «القاعدة») ومجموعات متمردة اخرى. بالمقابل على جبهة جبال القلمون والمطلة على المعابر الحيوية للبنان، وليس بعيدا عن دمشق، نجح الجيش السوري وخاصة محاربي «حزب الله» في صد هجوم المتمردين والسيطرة على عدة مواقع استراتيجية مهمة. ولجانب المعارك ضد جيش الاسد و»حزب الله» في القلمون، فإن «داعش» و»النصرة» يحاربون بعضهم.
تحظى تدمر على عناوين كبيرة في الصحافة العالمية، أهميتها العسكرية والاستراتيجية ليست كبيرة، والاهتمام نابع من رفرفة الاعلام السوداء على معالمها الاثرية. وهي اعلام «داعش» الذي يهدد بتدمير معالم أثرية من الفترة الرومانية والباقية في المكان.
المعلومات من تدمر متناقضة، نشرت «داعش» فيلما حول الآثار حيث يمكن تفسيره باتجاهين: الاول، انه وعد بعدم تدمير الاثار التي تعود للعصور الوسطى. الثاني، النشر قد ينبئ ببدء عملية التدمير في المكان. هذا المكان الذي أعلنت عنه «الاونسكو» قبل سنوات كمعلم حضاري عالمي. خوف العالم هو أن يقوم «داعش» بتدمير المكان كما فعل في الموصل بتدمير معالم ما قبل الاسلام في المناطق وفي مدينة النمرود، من الفترة الاشورية في العراق. وتحول المكان الى ساحة إعدام للاسرى الذين وقعوا في يد المنظمة.
تدمر، التي تقع في الصحراء، كانت محطة نقل مهمة للتجارة بين سورية والعراق وكانت تتصل بطريق الحرير لمركز آسيا. واليوم ايضا ما زالت مفترقا مهما ومنها تتفرع الطرق الى حمص في الشمال ودمشق في الغرب، حيث تبعد حوالي 230 كيلومترا. نجح «داعش» في اقامة مواقع صغيرة في معابر دمشق ومن هناك يطلق رجاله القذائف بين فينة واخرى باتجاه المدينة، ولكن لا يبدو ان التنظيم ينوي الانقضاض على المدينة العاصمة. بالمقابل، قائد جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، اعلن، هذا الاسبوع، نيته قصف دمشق.
وضع الاسد صعب، وهو يسيطر على ربع سورية، دمشق ومركز حلب، والشوارع الرئيسية للمدن الكبرى والشواطئ والموانئ اللاذقية وطرطوس، مواقع المدينة العلوية التي ينتمي إليها. جيشه تضرر بشكل كبير في الحرب من خلال آلاف الموتى وعشرات آلاف الجرحى والهاربين. وفقد الجيش ايضا جزءا كبيرا من الصواريخ الخاصة به بما في ذلك صواريخ «سكاد» التي باستطاعتها إصابة اسرائيل، ايضا سلاح الجو سحق في المعركة وهو السند الاساسي له، لكن الطائرات لا زالت تقلع وتلقي القنابل التي تصيب الابرياء من أبناء شعبه. نجح النظام في الحفاظ على خطوط الامداد ليس فقط داخليا وانما باتجاه الداخل ايضا. السلاح والذخيرة يدخل من ايران لدمشق والسفن الروسية تصل الموانئ، ولا توجد أهمية كبيرة لوجود حوالي 70 في المئة من اراضي سورية تحت سيطرة المتمردين لأنها صحراء في الشرق ومدن دير الزور والرقة التي اعلنها «داعش» عاصمة له.
ماذا على اسرائيل أن تفعل؟ حتى الآن السياسة الاسرائيلية بعدم التدخل معقولة، حتى وان كانت غير اخلاقية تجاه مقتل شعب واقع بين الاطراف المتحاربة. وكما نشر في السابق فإن اسرائيل تدخلت في سورية فقط عندما قامت بعشر ضربات جوية، دون ان تعلن مسؤوليتها، ضد قوافل السلاح الجديد والمتطور بالذات صواريخ عالية الدقة كانت في طريقها الى «حزب الله»، او عندما اطلقت النار من سورية باتجاه اسرائيل هناك خطر بأن تدفع ضربات كهذه الى الرد السوري، وايران و»حزب الله»، هذا لم يحدث حتى الآن، لأنه مثلما في غزة، جميع الاطراف لا تريد التصعيد.
يقال إن اسرائيل تزيد من علاقاتها مع المتمردين، وبالذات «جبهة النصرة» التي تسيطر تقريبا على الشريط الحدودي في هضبة الجولان باستثناء الحرمون الذي يسيطر عليه الآن. نجح «داعش» في السيطرة على عدة قرى في هضبة الجولان، لكنها بعيدة عشرات الكيلومترات عن الحدود الاسرائيلية وقريبة اكثر من دمشق (المسافة بين دمشق والحدود الاسرائيلية 50 كيلومترا). و»جبهة النصرة» تحارب «داعش» في تلك القرى وتريد طرده منها.
اسرائيل هي المستفيد الاكبر من الحرب الاهلية في سورية ومن تهاوي الشرق الاوسط، حيث إن أعداءها يستنزفون بعضهم، ولا يوجد تقريبا اهتمام بمحاربة اسرائيل. لكن على الأجهزة الامنية ومتخذي القرارات إعطاء موقفهم في اليوم التالي حيث يظهر «داعش» أو «النصرة» اهتماما بالجار من الغرب، وتحضير سيناريو رد وعمل. آمل ألا يحدث هذا.
3. يوجد في تدمر ايضا مطار سقط في أيدي المتمردين، رغم أن الطائرات السورية هربت قبل سقوطه. قدامى سلاح الجو والاستخبارات في اسرائيل تذكروا، هذا الاسبوع، الدور المخيف والمهم الذي لعبه هذا المطار في الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات. فقد عملت في المطار مجموعة طائرات ميغ 25 من انتاج سوفييتي، وكانت تقوم بطلعات وتصوير، ولم يكن لاسرائيل رد مناسب عليها. طائرة الميغ تعتبر منذ 40 عاما طائرة متقدمة ومخيفة، بل الاكثر تطورا. وهي ذات محركين قويين وقدرة عالية على المناورة. وتسير بسرعة 2.8 ماك (ثلاثة اضعاف سرعة الصوت).
بعد حرب «الايام الستة» وضعت عدة طائرات ميغ في مصر وقام بتشغيلها طيارون روس حيث قاموا بحوالي 20 طلعة تصوير فوق سيناء دون أن يستطيع سلاح الجو الاسرائيلي اصابتها أو اسقاطها. بعد حرب «يوم الغفران» في 1973 منح الاتحاد السوفييتي طائرات ميغ لسلاح الجو السوري، حيث تم وضع الطائرات في تدمر البعيدة 250 كم عن هضبة الجولان. المسافة الكبيرة نسبيا سمحت للطائرات بالاقلاع بهدوء نسبي دون أن تستطيع الاستخبارات الاسرائيلية رصدها، وهكذا نجحت الطائرات في الدخول الى المجال الجوي لهضبة الجولان والى حدود الخط الاخضر وتصوير أهداف ومواقع عسكرية استراتيجية.
إن خيبة الأمل الاسرائيلية من قدرة الطائرات في مطار تدمر أدت في نهاية المطاف الى التخطيط لاسقاط هذه الطائرة المخيفة على أمل أن يؤدي ذلك الى انهاء الطلعات والتصوير. هكذا ولدت عملية «الفرخ» في العام 1982 للاستخبارات العسكرية وسلاح الجو. «كان هذا كمينا ناجحا»، قال الدكتور كيدار. في كانون الاول 2012 أحيا طيارو سلاح الجو القدامى الذكرى الثلاثين للعملية، وتمت تغطية اللقاء في موقع الجيش الالكتروني ومجلة «الدفاع الاسرائيلي». بطارية متحركة لصواريخ هوك نقلت سرا الى الجولان، ووضعت في جبل الباروك على ارتفاع 2 كم تقريبا. وتم تحسين مدى الصواريخ الى مستوى الطيران الاقصى لطائرات الميغ.
أُطلق صاروخان باتجاه الطائرة وأصيبت، لكنها لم تسقط، وطائرات مقاتلة من نوع «اف 15» أطلقت الصواريخ باتجاه طائرة الميغ واسقطتها.
نجحت العملية وحققت هدفها حيث كف السوريون عن الطلعات الجوية من اجل التجسس فوق هضبة الجولان.
4. يوم الثلاثاء، قام البروفيسور عمانويل سيون، وهو مستشرق ومختص في التاريخ الاسلامي، باعطاء محاضرة في مركز التعليم الامني القومي في تل ابيب حول ظاهرة «الدولة الاسلامية». حسب قوله تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية الكبرى عن نشوئها. عدد جرائم واشنطن، الدخول الى العراق في العام 2003، ومصاعب التغلب على حلفاء «القاعدة» (بقيادة الزرقاوي الذي هو جد «داعش») وقرار اوباما الانسحاب كليا من الدولة. لكن أميركا ليست وحدها.
وقد ذكر ايضا فترة صدام حسين، الذي أقام في اطار حزب البعث ما سمي بـ»فدائيو صدام». وقد كانت قوة من المتطوعين الذين مروا بعملية أسلمة، وقد استخدم صدام الاسلام للتأثير على الناس. يقول عمانويل سيون إن لديه شريطا يظهر صدام في أحد الاجتماعات مع اللجنة المركزية للحزب في العام 1986 حيث يطالب بالتخفي على شكل متدينين، لكن الامر تحول بشكل معاكس بعد سقوطه، حيث توجهت تلك القوة المتطوعة الى «القاعدة» التابعة للزرقاوي، وهي تعمل اليوم الى جانب «داعش» وزعيمها أبو بكر البغدادي.
الفرق بين «داعش» وغيره - حسب رأي عمانويل سيون - هو «انك لا تركز على مراكز القوة أو تدمرها أو تضر بالمصالح الاقتصادية للدولة، وانما تستفيد منها وبالذات في المحيط، والسلطة تفقد قدرتها على محاربتك». ميزة اخرى لـ»داعش» هي استخدام العنف الشديد ضد العنف الشديد. وردة الفعل من قبل الغرب على قطع الرؤوس غير صادقة، «لأن هذه عقوبة المدخنين». الغرب لا يهتم بالحلم الأيديولوجي لاقامة دولة شريعة و»خلافة»، ويعتبر ذلك خدعة من اجل العلاقات العامة الناجحة.
حسب رأيه فإن «داعش» يسعى الى القوة، ويقوم باستخدام العنف عن وعي، ليس فقط ضد السكان الشيعة بل ايضا ضد السنة الذين تحت سيطرته. ومن هذه الناحية فإن سلطته تشبه سلطة زعيم الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين.
عن «معاريف»