لا فضل للحكومة، أو للهيئة المستقلة، على سير الانتخابات بنزاهة وعدم التزوير، فالقرار السياسي الأمني يعود للدولة ولمطبخ صنع القرار في إجراء انتخابات بدون تدخل سلبي، وفي التأثير على نتائج إفرازات صناديق الاقتراع، بينما يعود للحكومة وللهيئة دورهما المهني في نجاح الانتخابات وفي الإشراف على إجراءاتها الإدارية.
مصداقية الانتخابات البلدية واللامركزية ونظافتها برزت من خلال عدة عوامل هي:
1 – تدني نسبة التصويت لدى المدن الكبرى الثلاث عمان والزرقاء واربد، فمصلحة الدولة رفع نسبة التصويت حتى ولو كان ذلك بالتزوير وتعظيم لعدد المصوتين، وهو لم يحصل، ويؤكد احترام نسبة التصويت المتدني المعلن.
2 – نجاح حزب المعارضة جبهة العمل الإسلامي بعدد واقعي معقول وخاصة لرئاسة بلدية الزرقاء المهندس علي أبو السكر، وبدون لف أو دوران ثمة مصلحة لدى قوى الشد العكسي، عدم نجاح أبو السكر، وكان لدى الدولة خياران في العمل على إسقاط أبو السكر، الأول عبر تزوير الانتخابات والثاني بالضغط من أجل سحب أحد المرشحين المتنافسين بين مرشح العشائر، ومرشح قوى المدنية والعصرنة والحداثة عماد المومني، كلاهما تربطه علاقات وطيدة مع مؤسسات صنع القرار، ومع ذلك تركوا انتخابات الزرقاء لتسير بيسر وسلاسة، رغم التمنيات والتحضيرات والعمل لعدم نجاح مرشح المعارضة أبو السكر، ولكنه فاز على المرشحين المتنافسين اللذين كانا أقل قوة وتأثيراً من مرشح المعارضة الذي يملك أوراقاً قوية أهلته للفوز، رغم إرادة قوى الشد العكسي التي لم تكن ترغب في ذلك.
سير الانتخابات بدون تدخل يعود لثلاثة أسباب:
أولهما: القرار الدولي الذي لم يعد محايداً، بل غدا مراقباً بقوة عبر مؤسسات المجتمع المدني المحلية، والتي تربط مساعداتها للأردن عبر إجراء إصلاحات جدية على طريقة الانتخابات ومسارها.
وثانيها: انكفاء الأردنيين وعدم ثقتهم بالانتخابات وتدني نسبة المشاركة، الأمر الذي دفع الدولة كي لا تتدخل وإعطاء الأمل والثقة والمصداقية للأردنيين بأنهم يصنعون ويؤثرون على نتائج التصويت، وهي نتيجة تعود لهم ولهم وحدهم، وهو ما حصل فعلاً.
ثالثها: إن الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات ليست لها دوافع وتأثيرات سياسية على مؤسسات صنع القرار كما هو مجلس النواب وتأثيره على منح الثقة للحكومة أو حجبه عنها، إضافة إلى مراقبته لأداء الحكومة، أي أن عمله سياسي بامتياز، الأمر الذي يدفع أطراف صنع القرار للتدخل والتأثير المباشر على نتائج الانتخابات النيابية، وهو مازال قائماً بقوة، ما يجعل نتائج صناديق اقتراع الانتخابات النيابية موضع شك وتفتقد للمصداقية.
نتائج انتخابات الخامس عشر من آب 2017، أعطت نتائج إيجابية تمثلت بما يلي:
1 – فوز قوى المعارضة ممثلة بمقاعد حزب جبهة العمل الإسلامي في أكثر من موقع، وأكثر من مدينة ومحافظة.
2 – نجاح ملموس للمرأة، ليس في المواقع المدنية، بل في مواقع محافظة وتقليدية، ما يدلل على رغبة المرأة في فرض حضورها ونزوعها الاستقلالي عن الرجل وعن المؤسسة العشائرية المحافظة.
3 – نجاح العنصر الشبابي بقوة على حساب قوى تقليدية محافظة فهذا القطاع من الشباب بات أسيراً لظروفه الاجتماعية والاقتصادية، وربما السياسية والأمنية، فعمل على التحرر منها، والتخلص من تبعاتها والاندفاع نحو تقرير مصيره، والإسهام في مؤسسات صنع القرار والعمل، وهي ظاهرة إيجابية لافتة تقف إلى ظاهرة نجاح المرأة في مجتمع يُثبت أنه فتي ويسير باطراد نحو التخلص من التأثيرات السلبية للقوى الاجتماعية المحافظة التقليدية.
حصيلة الانتخابات أفرزت وعياً بأن صعود مكانة المنتخب وتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني يعود إلى فضل العمل والمشاركة والاعتماد على الانتخابات كخيار، وعلى صناديق الاقتراع كوسيلة، وفي التدقيق ببعض التفاصيل نجد حجم نجاح شباب العبابيد وعائلاتهم، وكثرة المرشحين وتنافسهم بين عشائر البلقاوية في العاصمة، من شباب الدعجة، إلى شباب العجارمة، والنعيمات والعساف واللوزيين والحديد وغيرهم، وقد مثل نجاح يوسف الشواربة، ومن قبله نضال الحديد، وخليل عطية ويحيى السعود وخميس عطية نماذج لاندفاع الشباب يتوسلون الموقع والمكانة اللائقة، ووصلوا عبر صناديق الاقتراع، وسيكون ذلك هو الأداة الأكثر بروزاً، والأكثر مصداقية لنجاح أولئك الذين يتطلعون للعمل العام.
في سنوات الأحكام العرفية، كانت النقابات المهنية هي بوابات الوصول، وهي أداة النجاح، ولكنها لم تعد كذلك اليوم، حيث تراجع دورها لصالح المحطات الانتخابية الثلاث: الانتخابات البلدية، الانتخابات اللامركزية، وانتخابات مجالس النواب، وهو بالتأكيد الطريق السوي الصحيح نحو توسيع قاعدة المشاركة وتوفير الأمن والاستقرار لبلدنا، والطريقة اللائقة في اختبار القيادات واختيارهم.