أصدرت سلطة النقد الفلسطينية، تقريرها السنوي لعام 2016، والذي يشتمل على أربعة فصول رئيسة تناولت: التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية؛ وتطورات مالية الحكومة؛ وتطورات القطاع الخارجي بما في ذلك ميزان المدفوعات والتجارة الخارجية السلعية المسجلة؛ وتطورات القطاع المالي الفلسطيني، بما فيه سلطة النقد، والمصارف العاملة في فلسطين، والمؤسسات المالية غير المصرفية.
ونوه محافظ سلطة النقد عزام الشوا،، إلى أن إصدار هذا التقرير يأتي في فترةٍ شهدت العديد من التطورات الاقتصادية والسياسية، دولياً وإقليمياً ومحلياً، كان من نتائجها على الصعيد المحلي تسارع وتيرة النمو في الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2016، إلى جانب التراجع الملحوظ في العجز الجاري لمالية الحكومة، وكذلك عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات.
كما شهد الوضع العالمي أيضاً جملة من التطورات الاقتصادية والسياسية المتسارعة والمتلاحقة، بدءاً من الاستفتاء الذي أدى إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مروراً بانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وانتهاءً بقرار أوبك خفض إنتاج النفط وتحسّن أسعاره بعد فترة طويلة من انخفاضها الشديد.
أما إقليمياً، فقد ظلّت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا رهن الصراعات والاضطرابات السياسية المستمرّة منذ أعوام والتي أسفرت بالعموم عن معدلات نمو ضعيفة، ومستوى تضخم وبطالة مرتفعين.
وشهد الاقتصاد الفلسطيني تسارع معدل نموه خلال العام 2016 فوصل إلى 4.1% مقارنة مع 3.4% خلال العام 2015، وذلك على خلفية تسارع وتيرة النمو في قطاع غزة بشكل أساسي، وبدرجة أقل في الضفة الغربية. فقد سجّل الاقتصاد الغزّي نمواً هو الأعلى في خمسة أعوام، بمعدّل بلغ 7.7% مقارنة بنمو بلغ 6.1% في العام السابق مدعوماً بالأساس بنمو مستويات الاستثمار. أما في الضفة الغربية، فقد بلغ معدل النمو نحو 3.0% مقارنة مع 2.6% في العام السابق، وذلك رغم استمرار الاضطرابات نتيجة تفاقم حالات الغضب الجماهيري ضد الاحتلال الإسرائيلي خاصة بداية العام.
من ناحيةٍ أخرى، انكمشت أسعار المستهلك في فلسطين لأول مرة تاريخياً بحوالي 0.2%، مقارنة بتضخم سعري بلغ 1.4% في العام 2015، جرّاء تراجع أسعار النفط والغذاء عالمياً. في المقابل، لا تزال مستويات البطالة المرتفعة تشكل أحد أبرز التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني، وخصوصاً في قطاع غزة. فرغم تسارع النمو في العام 2016، إلا أن معدلات البطالة في فلسطين شهدت ارتفاعاً وإن كان طفيفاً، لتصل إلى 26.9% من إجمالي القوى العاملة، مقارنة مع 25.9% خلال العام 2015. وجاء ذلك على خلفية ارتفاع معدل البطالة في الضفة الغربية من 17.3% عام 2015 إلى 18.2% عام 2016، وفي قطاع غزة من 41.1% عام 2015 إلى 41.7% عام 2016.
أما في مجال المالية العامة، فقد أشار التقرير إلى تحسن نسبي في تحصيل الإيرادات العامة، مقابل تراجع المنح والمساعدات الخارجية خلال العام 2016، لكن بالمحصلة ارتفعت الإيرادات العامة والمنح بنحو 15.2% مقارنة بالعام 2015، لتبلغ حوالي 16,816.5 مليون شيقل. كما ارتفع الإنفاق العام الفعلي بنحو 5.5%، ليبلغ نحو 14,760.1 مليون شيقل. وفي النتيجة، أدت هذه التطورات إلى انخفاض ملحوظ في العجز الجاري إلى حوالي 412.3 مليون شيقل، مقارنة بعجز بلغت قيمته 2,075.7 مليون شيقل في العام 2015. ورغم ذلك ارتفعت المتأخرات المترتبة على الحكومة خلال العام بحوالي 7.6% مقارنة بالعام السابق. أما الدين العام الحكومي (مقوماً بالدولار الأميركي)، فقد انخفض بحوالي 2.1%، ليبلغ 2,483.8 مليون دولار، أو ما يعادل 18.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
على صعيد آخر، سجل الحساب الجاري بميزان المدفوعات في العام 2016 عجزاً مقداره 1,348.0 مليون دولار، بتحسن نسبته 34.8% عمّا كان عليه في العام 2015، ليشكل نحو 10.1% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع16.3% خلال العام 2015.
أما في القطاع المصرفي، فأشار التقرير إلى إلى تسارع وتيرة النمو في إجمالي موجودات الجهاز المصرفي خلال العام 2016 لتبلغ 12.7% مقارنة مع 6.6% في نهاية العام 2015، لتصل قيمتها إلى 14,196.4 مليون دولار. كما شهدت محفظة التسهيلات الائتمانية المباشرة ارتفاعاً بحوالي 18.0%، لتبلغ حوالي 6,871.9 مليون دولار، وفي ذلك إشارة إلى مزيد من التفعيل لدور الوساطة المالية بين وحدات الفائض والعجز في الاقتصاد وتوفير مزيد من فرص التمويل والمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية. كذلك وصلت ودائع العملاء إلى 10,604.7 مليون دولار، متزايدة بنسبة 9.8%، كما ارتفعت حقوق ملكية الجهاز المصرفي بنسبة 14.9%، لتصل إلى 1،682.4 مليون دولار.
وقال الشوا إنه ورغم الظروف والأوضاع السياسية الصعبة التي تعيشها فلسطين، إلا أن سلطة النقد قد حققت المزيد من الإنجازات، فقد واصلت مسيرتها نحو المزيد من التطوير في الأنظمة الرقابية وإصدار العديد من التعليمات التنظيمية لمختلف مؤسسات الجهاز المصرفي، كما استمرت في توطيد علاقتها العربية والإقليمية والدولية لتضع لنفسها موطأ قدم ثابتة في ضوء ما تميزت به من تطور وإنجاز ملموس على صعيد أنظمة معلومات الائتمان والاشتمال المالي، والبحوث الاقتصادية والمالية والتقارير المتخصصة في المجال الاقتصادي والمصرفي والمالي. وقد انعكست محصلة هذه الإجراءات إيجاباً على المؤشرات المالية للجهاز المصرفي الفلسطيني، فتحسنت مستويات السيولة، بالتزامن مع ارتفاع الموجودات، ونمو ودائع العملاء، وارتفاع محفظة التسهيلات الائتمانية وتحسن جودتها مع تراجع في نسبة المتعثر، وزادت قدرة هذا الجهاز على مواجهة المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة.
أما بخصوص التوقعات المستقبلية لأداء الاقتصاد الفلسطيني، فتشير تنبؤات سلطة النقد إلى أنه من المتوقع أن يتباطأ معدل النمو خلال العام 2017 بشكل طفيف إلى نحو 3.4%، مقارنة مع 4.1% في العام 2016. ويأتي هذا الأداء على خلفية افتراض بقاء الأوضاع السياسية والاقتصادية في فلسطين على حالها في العام 2016، من حيثالقيود المفروضة على المعابر وحرية حركة الأفراد والبضائع، مع استمرار زيادة العمالة الفلسطينية في إسرائيل بنفس المعدل السابق، وتواصل عملية إعادة إعمار قطاع غزة على نفس الوتيرة. إلى جانب استمرار الحكومة الفلسطينية في انتهاج سياسة التقشف المالي، مع بقاء معدلات نمو الإيرادات والنفقات الحكومية دون تغيرات تذكر عند نفس مستوياتها في العام السابق، واستمرار الانخفاض في تدفق الدعم المقدم من قبل الدول المانحة لخزينة الحكومة.
ومن الجدير ذكره أن "التقرير السنوي" لسلطة النقد يصدر بانتظام عن دائرة الأبحاث والسياسة النقدية، ويشكل مرجعاً أساسياً للمؤسسات البحثية والمهتمين بالشأن الاقتصادي وطلبة الدراسات العليا في فلسطين، لما يحتويه من تحليل معمق قائم على أحدث وأدق البيانات الاقتصادية والمالية المحلية والدولية المتوفرة.