وما زال حريق الأقصى مشتعلاً

thumb.jpg
حجم الخط

 

في الذكرى الثامنة والأربعون لجريمة حرق المسجد الأقصى على يد المتطرف الصهيوني الإسترالي دنيس روهان...ما زال حريق الأقصى مشتعلاً، حيث الإقتحامات اليومية للمسجد الأقصى من قبل قطعان المستوطنين والجماعات التلمودية والتوراتية مستمرة ومتصاعدة، وتحظى بدعم وإسناد من اعلى المستويات في حكومة ودولة الاحتلال سياسياً وامنياً ودينياً، بدلالة ان الإقتحامات يشارك فيها حاخامات وأعضاء كنيست ووزراء، بل ويمارسون التحريض على القيام بتلك الإقتحامات، تحت ذريعة ان الأقصى هو جبل الهيكل وهو أقدس مكان لليهود، فكيف يحرمون من أداء طقوسهم التلمودية والتوراتية فيه ...؟؟،رغم ان كل حقائق التاريخ والأثار تقول عكس ذلك، وكذلك لجان التحقيق الدولية وقرارات المنظمات الدولية "اليونسكو" ولجنة التراث العالمي والجمعية العامة وغيرها .

بعد كل هذه القرارات تمعن حكومة الاحتلال وما يسمون أنفسهم بجماعات أمناء الهيكل و إئتلاف من اجل الهيكل وغيرها من الجمعيات والجماعات التلمودية والتوراتية في تعدياتهم الصارخة على الأقصى، حيث المزيد من الحفريات تجري أسفل وحول المسجد الأقصى، وكذلك المزيد من الأنفاق، و"التوسيعات" في ساحة حائط البراق لخدمة تلك الجماعات، وإقامة الكنس والأبنية التلمودية والتوراتية في أماكن ملاصقة للمسجد الأقصى "جوهرة إسرائيل" و بيت شتراوس" وغيرها من الكنس والأبنية التوراتية والتلمودية، كل ذلك من اجل تغيير الفضاء والمشهد في المدينة لكي يبدو يهودياً وليس عربياً إسلامياً، وكذلك العمل على طمس الحضارة والتراث والآثار العربية الإسلامية، وسرقة هذه الأثار والسطو على التاريخ وتزوير الحقائق والواقع ،وكل محاولات اثبات الصلة ما بين الأقصى "جبل الهيكل" واليهودية، من خلال الحفريات والأثار التي عثر عليها، لم تنجح في تاكيد او اثبات تلك الصلة، فمعظم الأثار التي عثر عليها تعود للعصور والحقب البيزنطية والرومانية والعثمانية والإسلامية، وحتى الرقعة الجلدية التي استحضروها من أحد كهوف صحراء النقب، والتي قالوا بان عليها كلمة أورشاليم، أثبت علماء الأثار اليهود انها مزورة.

الحرب على الأقصى لم ولن تتوقف للحظة واحدة، بل على العكس هي تتصاعد بشكل غير مسبوق،والتي بلغت ذروتها بإغلاق المسجد الأقصى لمدة ثلاثة أيام في الرابع عشر من تموز الماضي،والتي من خلالها عاثت قوات الإحتلال وشرطته واجهزته الأمنية خراباً وتدميراً وتكسيراً وتفتيشاً في ممتلكات ومحتويات الأقصى، في كل مكان وزاوية فيه، القبة النحوية، المتحف الفلسطيني، دائرة المخطوطات، الآبار، العيادات وقنوات المياه، وكذلك عمدت قوات الإحتلال الى كسر وخلع الأدراج والخزائن بادوات خاصة وغيرها. واضح بان ما جرى كان يستهدف بشكل خاص دراسة ووضع سيناريوهات لخطوات لاحقة بحق المسجد الأقصى في إطار التهويد المكاني للأقصى، وصولاً الى هدم المسجد القبلي وإقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم، ولذلك صمم الإحتلال بعد فتح المسجد الأقصى على تغيير قواعد اللعبة و"الإستاتيكو" المعمول به في المسجد الأقصى بتهميش الوصاية الأردنية والغائها، وإنهاء سيطرة الأوقاف الإسلامية على إدارة المسجد الأقصى، حيث مهد لذلك بمحاولة إخراج ساحات المسجد الأقصى من قدسية المكان، وجعلها ساحات عامة تشرف عليها وتديرها بلدية الإحتلال، ونصبت بوابات إلكترونية على مداخل وبوابات المسجد الأقصى، لكي تصبح مسؤولة بشكل مباشر عن المسجد الأقصى، واستتبعت ذلك بإقامة مسارات معدنية وقواعد اسمنت مسلح واعمدة حديدية وجسور لتركيب ونصب كاميرات ذكية عليها، وراهن الإحتلال على ان الحالة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة والمنشطرة على ذاتها، وحالة الإنهيار العربي غير المسبوقة، والدعم الأمريكي اللامحدود، سيمكنها من فرض الوقائع الجديدة على الأقصى، معتقدة بان الحالة المقدسية المنهكة بسبب إجراءات وممارسات الإحتلال القمعية والتنكيلية، وسن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية المستهدفة تنفيذ مخططات الترحيل الصامت بحق المقدسيين عن أرضهم ضمن سياسة تطهير عرقي عنصرية، سيجعل فرض هذه الوقائع القسرية سهلاً، ولكن ثبت في أرض الواقع بان الحلقة المقدسية، التي شهدت منذ 2/7/2017،تاريخ خطف وتعذيب وحرق الفتى الشهيد ابو خضير حياً، هبات شعبية متلاحقة تعلو حيناً وتهبط حيناً ىخر إرتباطاً بعوامل الصراع المستديمة مع المحتل، وشدة وتصاعد عمليات قمعه، قد تجذرت وتصلبت في "معمان" المواجهة والإشتباك الجماهيري، ولذلك خاضت على مدار (14) يوماً اشتباكاً جماهيرياً واسعاً سلمياً مع المحتل، بكتلة يشرية ضخمة جداً وصلت لمئات الألآف، بشكل مستمر ومتصاعد، بحيث مع إزدياد حالة القمع و"التوحش" الإحتلالي، كانت الجماهير لا تتراجع، بل تزداد اعدادها، وقدرتها على التحدي والصمود في حالة توحيدية وتعاضدية غير مسبوقة، مكنتها من ان تحقق نصراً مستحقاً له الكثير من المعاني والدلالات في إطار وسياق الصراع المفتوح والمستمر مع الإحتلال، بان الإرادة الشعبية والتوحد في المعركة والإستمرارية، وحجم الكتلة البشرية الواسعة، مع تظهير ووضوح الهدف من شانها ان تصنع نصراً يبنى عليه في المعارك القادمة، إذا ما حافظنا وتمسكنا بعوامل الإنتصار وراكمنا عليها.

الحرب التي يشنها الإحتلال على القدس والأقصى لن تتوقف، ولا المشاريع والمخططات التهويدية، فهذه الحكومة اليمينية المغرقة بالتطرف، تحكمها عقلية إستعلائية وعنجهية تقوم على أساس بان المقدسي الذي لا يخضع بالقوة، يخضع بالمزيد من القوة، وأن الواقع الديمغرافي والجغرافي، يجب ان ينقلب ويتغير جذرياً لجهة الأغلبية الإستيطانية، عبر ضخ اكثر من (150) الف مستوطن اليها، وإخراج (100) ألف فلسطيني منها، وسن قوانين وتشريعات عنصرية تجعل تقسيمها أمراً في غاية الصعوبة في أي مفاوضات وتسوية قادمة، بحيث تبقى عاصمة موحدة لدولة الإحتلال.

ولذلك بقاء الإحتلال بكل تمظراته عسكرية، امنية واقتصادية تعني بان عوامل الصراع ستبقى قائمة ومستمرة، وسيسعى الإحتلال الى فرض مشاريعه ومخططاته على المقدسيين في التهويد والأسرلة، وبكل الطرق والوسائل عبر شرعنة وقوننة هذا المخططات.

ولذلك نقول بان حريق القدس والأقصى سيبقى مشتعلاً، ونجاح المحتل في تحقيق مخططاته واهدافه، رهن اولاً بالحالة المقدسية، فالبقدر الذي تبقى فيه موحدة ومتماسكة، مالكة لإرادتها وثابتة في الدفاع عن وجودها وبقائها ومقدساتها، فهي ستكون قادرة على جماية وجودها وتحقيق إنجازات وإنتصارات مهما بدت صغيرة، ولكنها في إطارها التراكمي، تسهم في تعديل متدرج لميزان القوى مع المحتل، بما يجبره للتراجع عن مشاريعه ومخططاته، وبما يسمح برفع منسوب الحالة الشعبية والكفاحية وتوسعها في إطار مجابهة المحتل، في أكثر من ميدان وقضية، عبر كتل بشرية شعبية كبيرة تدافع عن حقوقها ووجودها في الإطار السلمي.

إن قيادة شعبية جماهيرية علنية في المدينة لكل المكونات والمركبات المقدسية، قد تبدو خياراً صائباً لمقارعة المحتل، في ظل ما نشهده من حالة هبوط سياسي وقلة اهتمام او انعدام الإهتمام من قبل السلطة والمرجعيات المتعددة بالمدينة المقدسة، فهبة باب الإسباط كشف بشكل واضح عن عجز السلطة وقصور الأحزاب والقوى في دعم وإسناد هبة الأقصى.