نفذت الحكومة والهيئة المستقلة القرار السياسي الأمني بإجراء إنتخابات بلدية ومجالس المحافظات يوم 15/8/2017 ، بنزاهة وعدم تزوير ، إنعكاساً لقرار الدولة وتوجهات مطبخ صنع القرار ، في إجراء إنتخابات بدون تدخل سلبي ، وبعيداً عن التأثير على نتائج إفرازات صناديق الإقتراع ، ولذلك أدت الحكومة مع الهيئة دورهما المهني في تذليل كل العقبات ، وتسهيل الإجراءات ، وفي الإشراف المباشر كي تمتلك الانتخابات وإجراءاتها المصداقية المطلوبة ، وهذا ما تحقق .
وقد برزت مصداقية الانتخابات البلدية واللامركزية ونظافتها من خلال عدة عوامل هي :
أولاً : تدني نسبة التصويت لدى المدن الكبرى الثلاثة عمان والزرقاء وإربد ، فالمصلحة الرسمية رفع نسبة التصويت حتى ولو كان ذلك بالتزوير وتعظيم عدد المصوتين ، وهو لم يحصل ، وهذا يؤكد احترام مؤسسات صنع القرار ، لنسبة التصويت رغم تدنيه المعلن .
ثانياً : رغم نجاح ثلاثة أحزاب تنتمي للتيار الإسلامي وهي حزب الوسط الإسلامي ، وحزب المؤتمر الوطني زمزم ، في الانتخابات البلدية واللامركزية بمقاعد وازنة ، ولكن الحزب الثالث ، جبهة العمل الإسلامي وهو حزب المعارضة الرئيسي ، حقق نجاحاً ملموساً بعدد واقعي ومعقول في عمان ، فقد نجح التحالف الذي شكلوه بخمسة مقاعد لرئاسة مجالس : رأس العين ، المدينة ، بدر ، زهران ، ومرج الحمام من بين 22 دائرة محلية ، كما فاز برئاسة بلدية الزرقاء المهندس علي أبو السكر ، وبدون لف أو دوران ثمة مصلحة لدى قوى الشد العكسي ، عدم نجاح أبو السكر ، وكان لدى الدولة خيارين في العمل على إسقاط أبو السكر ، الأول عبر تزوير الانتخابات والثاني بالضغط من أجل سحب أحد المرشحين المتنافسين بين مرشح العشائر ، ومرشح قوى المدنية والحداثة عماد المومني ، وكلاهما تربطه علاقات وطيدة مع مؤسسات صنع القرار ، ومع ذلك تركوا انتخابات الزرقاء لتسير بيسر وسلاسة ، مما وفر الفرصة بفوز أبو السكر على المرشحين المتنافسين اللذين كانا أقل قوة وتأثيراً من مرشح المعارضة الذي يملك أوراقاً قوية أهلته للفوز ، رغم إرادة قوى الشد العكسي التي لم تكن ترغب في ذلك .
سير الانتخابات بدون تدخل رسمي للتأثير على النتائج يعود لثلاثة أسباب :
أولها : القرار الدولي الذي لم يعد محايداً ، بل غدا مراقباً بقوة عبر مؤسسات المجتمع المدني المحلية ، والتي تربط مساعداتها للأردن عبر إجراء إصلاحات جدية وبشكل خاص على طريقة الانتخابات ومسارها .
وثانيها : انكفاء الأردنيين وعدم ثقتهم بالانتخابات وتدني نسبة المشاركة ، الأمر الذي دفع مطبخ صنع القرار كي لا يتم التدخل أو التأثير على النتائج ، بهدف إعطاء الأمل والثقة والمصداقية للأردنيين على أنهم يصنعون ويؤثرون على نتائج التصويت ، وهي نتيجة تعود لهم ولهم وحدهم ، وهو ما حصل فعلاً .
ثالثها : إن الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات ليست لها دوافع وتأثيرات سياسية على مؤسسات صنع القرار كما هو مجلس النواب وتأثيره على منح الثقة للحكومة أو حجبه عنها ، إضافة إلى مراقبته لأداء الحكومة ، أي أن عمله سياسي بامتياز ، الأمر الذي يدفع أطراف صنع القرار للتدخل والتأثير المباشر على نتائج الانتخابات النيابية ، وهو مازال قائماً بقوة ، مما يجعل نتائج صناديق اقتراع الانتخابات النيابية موضع شك وتفتقد للمصداقية ، بعكس الانتخابات البلدية التي حققت المصداقية المطلوبة .
نتائج انتخابات الخامس عشر من أب 2017 ، أعطت نتائج إيجابية تمثلت بما يلي :
1 – فوز قوى المعارضة ممثلة بمقاعد حزب جبهة العمل الإسلامي في أكثر من موقع ، وأكثر من مدينة ومحافظة .
2 – نجاح ملموس للمرأة ، ليس في المواقع المدنية فقط ، بل في مواقع محافظة وتقليدية ، مما يدلل على رغبة المرأة في فرض حضورها ونزوعها الاستقلالي عن الرجل وعن المؤسسة العشائرية المحافظة ، وهو ما حققته بهذه الإنتخابات التي تشكل مقدمة ضرورية يمكن الإعتماد والبناء عليها .
3 – نجاح العنصر الشبابي بقوة على حساب قوى تقليدية محافظة فهذا القطاع من الشباب بات أسيراً لظروفه الاجتماعية والاقتصادية ، وربما السياسية والأمنية ، فعمل على التحرر منها ، والتخلص من تبعاتها والاندفاع نحو تقرير مصيره ، والإسهام في مؤسسات صنع القرار والعمل ، وهي ظاهرة إيجابية ملفتة تقف إلى ظاهرة نجاح المرأة في مجتمع يُثبت أنه فتي ويسير باطراد نحو التخلص من التأثيرات السلبية للقوى الاجتماعية المحافظة التقليدية .
حصيلة الانتخابات أفرزت وعياً أردنياً يعتمد على خبرات ملموسة حققها الشباب في إنتخاباتهم ، ودللت على إمكانية صعود مكانة المنتخب ، وتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني عبر العمل والمشاركة والاعتماد على الانتخابات كخيار ، وعلى صناديق الاقتراع كوسيلة ، وفي التدقيق ببعض التفاصيل نجد حجم نجاح شباب العبابيد وعائلاتهم ، وكثرة المرشحين وتنافسهم بين عشائر البلقاوية في العاصمة ، من شباب الدعجة ، إلى شباب العجارمة ، والنعيمات والعساف واللوزيين والحديد والحنيطيين وغيرهم ، وقد مثل نجاح يوسف الشواربة ، ومن قبله نضال الحديد ، وخليل عطية ويحيى السعود وخميس عطية وكذلك محمد أبو هديب ، وحازم النعيمات ، نماذج لاندفاع الشباب يتوسلون الموقع والمكانة اللائقة ، ووصلوا عبر صناديق الاقتراع ، وسيكون ذلك هو الأداة الأكثر بروزاً ، والأكثر مصداقية لنجاح أولئك الذين يتطلعون للعمل العام ، بعد أن ثبتت صحة خياراتهم عبر المشاركة والقيادة في صناديق الإقتراع ، حيث يكتسب الشباب التأهيل والكفاءة والخبرة .
في سنوات الأحكام العرفية ، كانت النقابات المهنية هي بوابات الوصول ، وهي أداة النجاح ، ولكنها لم تعد كذلك اليوم ، حيث تراجع دورها لصالح المحطات الانتخابية الثلاثة : الانتخابات البلدية ، الانتخابات اللامركزية ، وانتخابات مجالس النواب ، وهو بالتأكيد الطريق السوي الصحيح نحو توسيع قاعدة المشاركة وتوفير الأمن والاستقرار لبلدنا ، والطريقة اللائقة في إختبار القيادات واختيارهم .