المسيحيون، ودورهم في نضالنا

توفيق أبو شومر.jpg
حجم الخط

لامني شابٌ في محاضرةٍ، لأنني أبرزتُ دورَ الفسيفساء الوطنية الفلسطينية المسيحية، في منتصف القرن الماضي، في النضال الفلسطيني.
 أبرزتُ خلال المحاضرة دورَ إخوتنا المسيحيين، وذكرتُ المفكر والتربوي المميز، خليل السكاكيني، والأديب والمترجم، خليل بيدس، والمؤرخ، نجيب عازوري، وموسوعة اللغات القديمة، الكاتب باللغة الروسية، بندلي الجوزي.
لم أنسَ الإشارة إلى، المفكر العالمي، إدوارد سعيد، والمؤرخ، جورج انطونيوس، ومي زيادة، وغيرهم.
قال هذا الشابُّ: هل شاركونا نضالَنا!!
أدركتُ بأنه يقصدُ بمفهومه الشعبي البسيط، (النضال) الجهادي العسكري. صحَّحتُ له مفهومَ النضال، ووسَّعتُ دائرته، ليشمل كل القطاعات الحياتية، أبرزها الثقافة، بمفهومها الواسع.
 أبرزتُ له إسهامات رواد الفكر الفلسطينيين في مجالات التربية والتعليم كنموذجٍ فقط.
 فكُتُبُ التعليم الفلسطينية للمرحلة الابتدائية كانتْ هي المعتمدة في مصر خلال ستينيات القرن الماضي، وهي من تأليف التربوي المسيحي الفلسطيني، خليل السكاكيني.
سردتُ له قصتين من تاريخنا بالمفهوم النضالي العسكري الشائع.
القصة الأولى:
 قصة مناضلٍ سوري مسيحيٍّ كان بطلاً، يستحق التخليد، لأنه قام بدور الفدائي المناضل عن وطنه العربي بكامله.
درس هذا المناضل في جامعة دمشق، ثم أرسلتْه سورية في بعثة دراسية إلى مصر للدراسة في الكلية الحربية، حصل على البكالوريوس من الكلية البحرية المصرية بامتياز، عام 1956.
 بعد تخرجه بوقت قصير، شنتْ بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل، عدواناً على مصر، (العدوان الثلاثي) بعد أن أمَّمَ الرئيس، جمال عبد الناصر قناة السويس.
تقدمتْ البارجة الفرنسية الضخمة،  Jean Bart نحو بورسعيد، فأمر الرئيس عبد الناصر بالتصدي لها، كان الجيشُ المصري يملك ثلاث طوربيدات فقط، لم تُستعمل.
 أصرَّ هذا البطل أن يقود طوربيدا منها.
 نجح في الاصطدام بالجزء الضعيف في السفينة، التي يبلغ طولُها 225 مترا، فغرقتْ بفعل المتفجرات المحمولة على ظهر الطوربيد.
 استشهد هذا البطل العربي المسيحي.
اسم البطل: جول يوسف جمال المولود عام 1932 م
أما القصة الثانية، فهي قصةُ رجل الدِّين المسيحي، مطران كنيسة الروم الكاثوليك في القدس، عام 1965، هيلاريون كابوتشي، الذي توفي في بداية هذه السنة 2017 في منفاه في روما، فقد هرَّبَ السلاحَ في سيارته الخاصة للمقاومين الفلسطينيين عام 1974، حُكم عليه بالسجن اثنتي عشرة سنة، قضى منها في السجن أربع سنوات، ونُفيَ إلى روما.
  أما روادُ السياسة المسيحيون الفلسطينيون، فهم أكثر من أن يُحصوا، جورج حبش، وديع حداد، نايف حواتمة، كمال ناصر، وغيرهم.
يعاني شبابُنا الفلسطينيون من انقطاع حبل التواصل بين الأجيال.
 يُرجع كثيرون السببَ في ذلك إلى الظروف القاسية المحيطة بهم، وهذا عُذرٌ تبريري سهلٌ، مُريح!
 غير أنَّ السبب الرئيس يعود إلى إغفالنا مبدأ التواصل الثقافي والفكري بين الأجيال الفلسطينية.
لقد فشلنا في تربية الأجيال الصاعدة، بتصويب المقررات التربوية، وتعزيز معاول الثقافة وتشجيع المثقفين.
ورفع شعار: تعدُّد الأعراق، والأجناس، والمعتقدات، أساس الإبداع والتفوق، وطريق التقدم، أما الانغلاق، فهو بداية الانهيار والتأخر.
لم تنجح مؤسساتُنا الثقافية والتعليمية في إنتاج أمصال ضد أمراض التهجير، والإحباط، وهي الأمراض السائدة بين الشباب الفلسطيني.
في المقابل، نجحتْ الدول المتقدمة في إنتاج لقاحات الوقاية من مرض كره الوطن، فاستحدثتْ حُقنا وريدية تاريخية، وثقافية، وتربوية، عزِّزتْ صمود الأجيال، ومنحتهم المناعة ضد أخطر فايروسات الألفية الفتَّاكة.
لذا فقد نهضوا، أما نحن فغفونا!