هل ينسحب "الأميركيون".. من "سوريا"؟

thumbgen (12).jpg
حجم الخط

 

فيما تتراجع الأنباء عمّا يحدث في معركة تحرير «الرقة»، التي أوْكَل الاميركيون أمرها «برَّياً» الى قوات سوريا الديمقراطية، مع تزايد التقارير عن المجازر المروِّعة التي يرتكبها طيران التحالف الاميركي ضد مدنيي الرقة وجوارها، تبرز الى السطح الاسئلة التي لا تجد سوى أجوبة مُبهَمة من قِبل الاميركيين حول مستقبل الوجود العسكري الاميركي على الاراضي السورية، الذي أتخذ هو الآخر مزاعِم مكافحة الارهاب، فيما تتواصل الأعمال الميدانية الاميركية على قدم وساق لإنشاء قواعد عسكرية في الشمال السوري، او لتعزيز ما كان أنشأه الاميركيون في الرميلان والحسكة وبعض المواقع في المناطق التي تُسيطِر عليها القوات الكردية السورية، والتي لم يُنكِر صالح مسلّم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي.. وجودها.

سؤال مستقبل الوجود العسكري الاميركي، لم يقتصر على سوريا رغم ان عديد الجنود الاميركيين هناك أقل بكثير مما هو عليه في العراق، والذي بدا كأنه «عودة» للاميركيين تحت ستار تقديم الاستشارة للجيش العراقي في معركة تحرير الموصل، وحالياً تل اعفر، إلاّ ان الغموض الذي يتحدث عنه الجنرالات الاميركيون حول هذا الوجود، يزيد من الاعتقاد بأن الاميركيين لم يأتوا هذه المرة ليرحلوا عن بلاد الرافدين، وما قاله الجنرال ستيف تاونسند قائد قوات التحالف الاميركي يُعزِّز تلك المخاوف، إذ لفت الى ان هناك «خططاً قيد الدرس.. ستنظر في أمر القوات التي (ستبقى) في المستقبل».. قال ذلك في حضور وزير الدفاع ماتيس، خلال زيارة الأخير المفاجِئة لبغداد قبل يومين.

في المقلب السوري لم يكن ثمة اختلاف في اللغة الأميركية المُراوِغة، إن لجهة الغموض الذي يكتنف تلك التصريحات أم لجهة ما كشفه «حلفاء» واشنطن او الذين يأتمرون بأوامرها في قوات سوريا الديمقراطية، عندما قال طلال سلّو المتحدث باسم هذه القوات: إن «تحالف» قوات سوريا الديمقراطية (يعتقِد) ان الولايات المتحدة لها مصلحة استراتيجية في البقاء بسوريا، مستطرداً لا فض فوه:.. «من المؤكّد ان لديهم استراتيجية لعشرات السنين للأمام، ومن المؤكّد ان يكون هناك اتفاقات بين الطرفين على المدى البعيد (...) اتفاقات عسكرية واقتصادية وسياسية، ما بين قيادات الشمال والادارة الاميركية»، مشيراً بالطبع الى قواعد عسكرية تقوم واشنطن بتجهيزها في الشمال السوري.

تصريح يفضح المدى الذي وصلت اليه عمالة هؤلاء «الثوار» الذين يتسترون خلف تسمية قوات سوريا الديمقراطية، والذين هم في الواقع مرتزقة وبنادق للايجار، لا همَّ لهم سوى تنفيذ المخططات الاميركية والصهيونية الرامية الى تقسيم سوريا وإسقاط دولتها وتشريد شعبها، تارة تحت ستار الحكم الذاتي في «روج آفا» الذي «يُناضل» من أجله صالح مسلّم، وطوراً في الاستماع الى نصائح وتعليمات الدوائر والغرف الاستخبارية العديدة في المنطقة.

مسارعة الخارجية الاميركية الى «نفي» تصريحات طلال سلّو والزعم بأن «لا نِية» للولايات المتحدة البقاء في سوريا بعد هزيمة تنظيم داعش، والإدعاء برغبة واشنطن أن يحكم الشعب السوري بلاده ولا أحد غيره، لا يعدو كونه ذرّ للرماد في العيون، ولم تكن المحاولة الفاشلة لإيجاد «جيب اميركي» في منطقة «التنف» في البادية السورية للسيطرة على الحدود العراقية السورية، والزحف نحو دير الزور بهدف عزل الشرق السوري كاملاً عن سوريا، إلاّ مثالاً على «عمق» المخطط الاميركي الرامي الى تمزيق الدولة السورية وإعادة الأمور الميدانية الى ما كانت عليه قبل ثلاثين ايلول 2015، وهو يوم الانخراط الروسي المباشر في الأزمة السورية والذي قلب الاوضاع رأساً على عقب وأعاد الأمور الى نصابها على نحو لا رجعة فيه.

الإهزوجة الزاعِمة بأن الهدف الاميركي في ما يجري في العراق وخصوصاً سوريا هو هزيمة داعش، لا تنطلي على أحد، ولم يعد أحد يشتري هذه البضاعة الاميركية الفاسدة، غير الذين ما يزالون يرون في واشنطن الملاذ الأخير قبل هزيمتهم المتدحرِجة وخصوصاً اولئك الذين لم يتّعِظوا من دروس التاريخ ونعني بهم كرد المنطقة، سواء في شمال العراق ام «الجدد» في سوريا الذين اسكرتهم نشوة الدعم الاميركي، فراحوا لفرط سذاجتهم يَدْعون الى «فيدرالية» وبعضهم للإنفصال ويبذلون جهودهم من أجل استدراج التدخلات الخارجية الاميركية و»العربية» وربما الاسرائيلية في وقت لاحق.

ما يحدث في العراق وما باتت عليه خرائط الميادين السورية، تشي بأن «الدولة» في هذين البلدين قد تجاوزت خطر الانفلاش والسقوط، صحيح ان الاوضاع في العراق اكثر تعقيداً نتيجة الخلافات العميقة بين المكونات السياسية وتأثير القوى الاقليمية على القرار العراقي، سواء اولئك الذين في الحكم أم خارجها، والتي ستكون اكثر وضوحاً في الانتخابات المُقبلة التي ستأخذ طابعاً مختلفاً بعد تطهير العراق من داعش، إلاّ ان المشهد السوري رغم كل الضباب الذي «يُغلّفه» اكثر استقراراً ووضوحاً، وبخاصة في شأن الهزيمة المنكَرة والمُؤكّدة التي لحقت بمخطط اسقاط الدولة وتقسيم البلاد، ومعركة دير الزور المقبلة (دع عنك معركة إدلب، التي هي في طور المساوَمة والمناورات الإقليمية والدولية.. الان) والتي سيخوضها الجيش السوري والقوى الحليفة والرديفة بدعم من القوة الجوفضائية الروسية، ستكون هي الحاسمة في دفن كل محاولات واشنطن إيجاد موطئ قدم لها في سوريا، سواء ادّعت انها لا تفكر بالبقاء، او اتّخذت من ذريعة حماية حلفائها في قوات «قسْد» للبقاء هناك.

عن الرأي الأردنية