ماذا يجري في المنطقة؟

هاني عوكل.jpg
حجم الخط

ثلاث ساعات هي مدة اجتماع مهم عقد حديثاً في منتجع "سوتشي" الروسي بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، غير أن موضوع النزاع السوري والوجود الإيراني هناك كان محور الاجتماع.
هذه المرة السادسة التي يلتقي فيها نتنياهو بالرئيس بوتين منذ شهر أيلول 2015، وتفسر إلى حد كبير رغبة إسرائيلية بتأمين مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً وأن روسيا تدعم وتحمي النظام السوري ولولاها ربما كان النظام هناك "في خبر كان".
زيارة نتنياهو إلى موسكو تعكس بقوة تخوف تل أبيب من مستقبل سورية بعد انتهاء النزاع، ذلك أن رئيس الحكومة الإسرائيلية دعا بوتين في أكثر من اجتماع، إلى أهمية مراعاة مصالح إسرائيل من حيث إنهاء الوجود الإيراني في سورية بعد انتهاء النزاع.
هذه الزيارة تتزامن مع حجم الإنجازات التي تحققها القوات الحكومية السورية عسكرياً، وهي تتقاطع بلا شك مع مناطق خفض التوتر التي أعلنتها روسيا، والتي تتوزع بين الجنوب السوري والوسط، فضلاً عن غوطة دمشق.
قلق نتنياهو وفزعه من الوجود الإيراني في سورية يأتي انطلاقاً من تجربته مع تنظيم حزب الله اللبناني، الذي يشكل مصدر تهديد لإسرائيل، خصوصاً من جهة الشمال، إلى جانب الحرب التي جرت بينهما في العام 2006 ولم تتمكن خلالها إسرائيل من إنهاء هذا التنظيم.
على هذا الأساس، لا يريد نتنياهو أن تسيطر إيران على سورية، فقد أظهر قلقه لبوتين حينما قال له: إن إيران تسعى إلى لبننة سورية، إذ إنه متخوف من وجود إيراني أو لعناصر من حزب الله في الجنوب السوري، ولذلك كان واضحاً موقف إسرائيل من هدنة جنوب سورية والسعي إلى تعديلها.
على أن استعجال سعي نتنياهو للقاء الرئيس بوتين يأتي من التطورات الدراماتيكية التي تجري على ساحة القتال في سورية، ذلك أن تنظيم "داعش" الإرهابي بات يفقد السيطرة على مناطق عديدة، ثم إن المعارضة المعتدلة لم تعد قادرة على المناورة السياسية والعسكرية أيضاً.
إذن الرجل ذهب إلى روسيا لتأمين صفقة تستهدف تنظيف سورية بعد النزاع من الوجودين الإيراني وحزب الله، وفي هذا تعتقد تل أبيب أن الخيار الأفضل بالنسبة لها ولو أنه مرٌّ أيضاً، هو وجود قوات روسية خصوصاً في منطقة الجنوب السوري.
وفي حين لم يرد بوتين على أسئلة نتنياهو بخصوص الوجود الإيراني، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية قال: إن بلاده "ستدافع عن نفسها ضد التهديد الإيراني أو أي تهديدات أخرى"، وهذه رسالة واضحة للدب الروسي بأن عليه مراعاة مصالح إسرائيل في المنطقة.
لا تريد إسرائيل أن تكون على مسافة بعيدة من النزاع السوري ولا من ترتيبات ما بعد النزاع، وهي لا تقبل بأن تكون متفرجاً دون أن تلعب في هذا الملعب، ولذلك كانت الزيارة ضرورية بالنسبة لنتنياهو ليعرف على الأقل أين تقف روسيا من إسرائيل.
من نتائج اجتماع بوتين- نتنياهو، أن روسيا أعلنت بدء عمل مركز المراقبة المشترك مع الأردن في منطقة خفض التوتر التي تقع في الجنوب السوري، وربما يشكل هذا الإعلان رسالة روسية صريحة بأنها لن تتجاهل التخوفات الإسرائيلية.
ومن حيث المبدأ، تدرك روسيا جيداً أن غض الطرف عن المطالب الإسرائيلية، يعني أن الأخيرة ستركب عقلها وتناور في حدود مصلحتها لتأمين أمنها في الشمال، مستفيدة من علاقتها التاريخية والإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية.
ثم إن موسكو لا تريد توسيع رقعة الأعداء، فهي تسعى إلى إقامة علاقات جيدة مع تركيا وإسرائيل، كما هي جيدة جداً مع إيران، وترى أن تحسين هذه العلاقة ينعكس عليها بالفائدة، خصوصاً وأنها تستهلك من جهدها وقوتها في النزاع السوري وفي التحصن من العقوبات الاقتصادية الأميركية ومحاولات المد الأطلسي باتجاهها.
سياسة موسكو تقوم على تحييد الأعداء وكسب المزيد من الأصدقاء، فذلك سيعني بالنسبة لها مرونة في الحركة والمناورة، وهذه المرونة ستزيد؛ إذا ما تمكنت القوات الحكومية السورية من السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة السورية.
هذا يعني أن روسيا قد تستجيب للتخوفات الإسرائيلية إزاء الوجود الإيراني في سورية، وبالتالي قد تأخذ ذلك بعين الاعتبار في المستقبل، كما هو حال التخوف التركي من التمدد الكردي في الشمال السوري ومن هواجس تعاظم هذا الوجود على خلفية الدعم الأميركي الموجه لقوات سورية الديمقراطية.
غير أن هذا لا يعني بالضرورة أن توافق موسكو على المطالب الإسرائيلية لجهة عودة الإيرانيين وعناصر حزب الله من سورية إلى حيث أتوا، إذ إن موسكو أيضاً تقيس مصالحها بالقلم والمسطرة، وتأخذ بعين الاعتبار شركاءها الإيرانيين وفي الداخل السوري.
إذا أردنا تفسير السكوت الروسي عن الدور الإسرائيلي في سورية، فيمكن استحضار شواهد كثيرة في هذا الإطار، ذلك أن تل أبيب قصفت في مرات كثيرة مواقع سورية ولم يخرج عن موسكو ما يثير انتباه القيادة الإسرائيلية ويمنعها من إعادة القصف مرة أخرى.
قائد القوات الجوية الإسرائيلية قال: إن بلاده وجهت ما يزيد على مائة ضربة جوية لشحنات أسلحة تابعة لحزب الله اللبناني خلال النزاع السوري، ومع ذلك لم تتدخل روسيا، وهذا يفسر أنها لا ترغب في توسيع قواعد الاشتباك، إلى جانب أنها تدرك قلق تل أبيب من تنامي دور إيران وحزب الله على عتبات حدودها.
وفي حقيقة الأمر، تتحرك إسرائيل بقوة لتأمين مصالحها والمحافظة على مجالها الحيوي، ومن فوقها تتحرك تركيا أيضاً لمنع أي تقدم أو وجود كردي يهدد مصالحها الحيوية، بينما تعزز إيران من وجودها في سورية وتضرب أعداءها بذراعها اللبنانية "حزب الله".
كل هؤلاء يسرعون على عجل لتأمين مصالحهم سواء خلال النزاع أو بعده، بينما لا يتحرك العرب أبداً لتأمين مصالحهم ويكتفون بالتفرج ولا يدركون أن النزاع السوري بات يقترب من خط النهاية، وأن تنظيم "داعش" في الطريق إلى الأفول.
أكثر ما يقلق في هذه المعادلة، أن سورية بعد النزاع ليست سورية قبله، تلك التي تمتلك قدرات عسكرية وإمكانات تجعلها قادرة على مواجهة الأطماع الإقليمية، بينما هي اليوم وبعد انتهاء النزاع، ضعيفة ومحاطة بالأقوياء، وإذا أرادت العودة إلى سابق عهدها فإن عليها أن تحتكم إلى قرار مستقل.
على أن هذا القرار مع الأسف الشديد لا تتحكم فيه الدولة السورية، خصوصاً بعد أن تضع الحرب أوزارها، فمن أنقذ النظام السوري من الزوال سيتحكم في هذا القرار، الأمر الذي يعني أن سورية مقبلة على ترتيبات جديدة تأخذ بعين الاعتبار قلق الكبار وقلق محيطها الإقليمي.