02 حزيران 2015
الاقتراح الأخير لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إجراء مفاوضات حول الكتل الاستيطانية ليس سوى فخ سياسي محنك. يستطيع نتنياهو القول لأصدقائه في الحكومة إن المفاوضات تهدف الى الحصول على موافقة الفلسطينيين على استمرار البناء في المستوطنات دون إقامة دولة فلسطينية ودون إنهاء الاحتلال. وللمعارضة وأصدقاء إسرائيل في العالم، الذين يتوقعون تقدما في حل الصراع، يستطيع تقديم المبادرة على أنها مفاوضات حول الحدود المستقبلية بين إسرائيل والدولة الفلسطينية التي ستقوم في يوم من الأيام، ويطلب تأييدهم للخطوة. يدور الحديث عمليا عن مبادرة تسعى الى إسكات المعارضة والعالم، دون دفع ثمن سياسي.
تُظهر تجارب الماضي أن لنتنياهو طريقة تتكون من عدة أدوات: التظاهر بأنه يريد السلام وتقديم مبادرة سياسية لا يقبلها الفلسطينيون، وتحميلهم المسؤولية، والاستمرار في فرض حقائق على الأرض بهدف إفشال خيار الدولتين لشعبين.
المبدأ الأول يقول إنه يجب أن تكون عملية سياسية، مفاوضات معينة، يتجند من أجلها العالم وتقلل الضغط الذي يمارس على إسرائيل، وجود العملية السياسية يُصعب على اليسار داخل إسرائيل انتقاد الحكومة، وتأتي الأصوات المعارضة بالذات من اليمين، وعندما تفشل العملية يعتبر الجمهور أن هذا فشل اليسار، وإثبات صحة طريق اليمين.
يقول المبدأ الثاني إن المبادرة يجب أن تظهر على أنها عملية سياسية معقولة، تعكس نوايا التوصل الى سلام، ولكن يجب أن تُركب بطريقة تضمن رفض الفلسطينيين لها بسبب معناها الحقيقي.
هذا ما حدث عندما انتخب نتنياهو لرئاسة الحكومة في العام 1996 وتبنى عملية «أوسلو» بعد أن كان من أشد معارضيها. فقد أعلن أنه سيواصل طريق «أوسلو» ولكن على طريقته. وأضاف شرطا للتبادلية: «اذا أعطوا سيأخذون، واذا لم يعطوا فلن يأخذوا». هذا المبدأ يظهر أنه منطقي وصحيح، إلا أنه مكّن نتنياهو من القول في كل وقت إن الفلسطينيين لم «يعطوا»، لذلك فلن «يأخذوا». كان دائما هناك ما يعطيه الذريعة السياسية، مثل رشق الحجارة أو حديث انفعالي.
وهذا ما حدث عندما وقع نتنياهو مع ياسر عرفات على اتفاق الخليل في العام 1997 واتفاق واي في العام 1998، وحظي بالتأييد والتقدير. كانت هذه اتفاقات لا حاجة لها، تحدثت عن تطبيق اتفاقات مرحلية تم الاتفاق عليها منذ العام 1995 وترددت إسرائيل في تنفيذها (إخلاء الخليل والنبضة الثالثة) حسب اتفاق أوسلو. كان يفترض أن يناقش الطرفان الاتفاق النهائي والتوقيع عليه حتى أيار 1999، لكن نتنياهو لم يبدأ حتى بالمفاوضات الحقيقية.
المبدأ الثالث في طريقة نتنياهو يقول: حين تفشل العملية فإن الفلسطينيين يتحملون المسؤولية عن ذلك. هذا ما حدث عندما رفضوا قبول الشرط الذي وضعه وهو الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. نتنياهو عرف أن هذا الشرط، الذي يبدو منطقيا لدى الإسرائيليين، لا يمكن أن يقبله الفلسطينيون كشرط مسبق. وطالما أن الفلسطينيين لم يوافقوا على هذا الطلب فإن نتنياهو سيتهمهم بأنهم يرفضون السلام. خطوة مشابهة كانت عندما وافق نتنياهو على تجميد الاستيطان لمدة عشرة أشهر في 2009، وبعد ذلك رفض تمديد هذه الفترة. الفلسطينيون من جانبهم رفضوا العودة الى المفاوضات طالما أن البناء في المستوطنات مستمر. واستطاع نتنياهو تحميلهم المسؤولية.
اقتراح إجراء المفاوضات حول الكتل الاستيطانية هو فخ من هذا النوع. لم يسبق أن قدم نتنياهو خارطة للكتل الاستيطانية التي يتحدث عنها، وقد أعلن في الماضي أن «بيت إيل» والخليل ستبقيان في يد إسرائيل. واذا تعاطينا مع جدار الفصل كمؤشر، فإنه يوجد اليوم 85 بالمئة من الإسرائيليين يسكنون وراء الخط الأخضر، ويعيشون في الكتل الاستيطانية (بما في ذلك القدس)، أي 470 ألف شخص. في المقابل فإن «الكتل» التي يعيش فيها الفلسطينيون حسب الخرائط التي تم تقديمها في المفاوضات في أنابوليس تشمل فقط 59 بالمئة من الإسرائيليين وراء الخط الأخضر، أي نحو 325 ألف شخص. يدور الحديث عن فجوة كبيرة تبلغ 145 ألف مستوطن ونحو 350 ألف دونم.
اذا كانت نية نتنياهو الحصول على موافقة الفلسطينيين على استمرار البناء في المستوطنات دون الحصول على ضمانة للحدود المستقبلية، فإنه يخدعنا، لأن الفلسطينيين لن يوافقوا على البناء في الأماكن التي تحطم فرصة إقامة دولة قابلة للوجود في المستقبل فيها. في المقابل اذا كان نتنياهو ينوي الحديث عن الحدود المستقبلية لاسرائيل وللدولة الفلسطينية، فإن النقاش يجب أن يشمل القدس الشرقية وتبادل الأراضي. واذا كان بوسع نتنياهو التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين حول الحدود والقدس فهذا يعني أنه يستطيع التوصل الى الحل النهائي وحل الدولتين. وسيكون من الغباء من ناحيته الموافقة على أمر دون الحصول على مقابل ودون إجراء صفقة شاملة.
نتنياهو لا يريد اتفاقا، هذا مجرد فخ، والعملية السياسية هي الوصفة الأفضل لتخدير المعارضة. محظور على اليسار الوقوع في هذا الفخ، وعليه معارضة المبادرة الجديدة حول المفاوضات على الكتل الاستيطانية.
عن «هآرتس»