استقالة المسؤول عن ملف الجنود الاسرى و المفقودين الاسرائيلي العميد ليئور لوتن قبل اسبوعين اثارت غضب والد الجندي الاسرائيلي المفقود هدار غولدن منذ العدوان على غزة ٢٠١٤ و الذي صب جام غضبة على وزير الجيش افيقدور ليبرمان حيث اتهمه بالجبن و خيانته للامانه و عدم اهليته لان يكون على رأس الجيش لانه لم يُقدم على ما يجب الِاقدام عليه لكي يعيد له ابنه و بقية الاسرى و المفقودين .
استقالة العميد ليئور دوافعها معروفه و هي ان الحكومة الاسرائيلية لم تمنحه الصلاحيات الكافية للتحرك و لم توفر له الظروف الملائمة لاجبار حماس على اتمام الصفقة بالشروط التي تريدها اسرائيل. كلاهما ، سمحا غولدن و ليئور لوتن لم يطالبوا بتقديم تنازلات لحماس بل طالبوا بزيادة الضغوط عليها من اجل اجبارها على اعادة الجنود دون دفع الثمن الذي تطلبه حماس.
ليئور لوتن طالب باعتقال ٢٠٠ عضو في حماس مقابل كل جندي اسرائيلي يقع في الاسر، ووالد غولدن يقول ان وقف القتال قبل اعادة كافة الجنود الى بيوتهم هو خيانه للقيم العسكرية و خيانه للامانه ، لذلك يجب مواصلة الضغط على حماس الى ان يتم اجبارها على اعادة هؤلاء الجنود
ليبرمان من ناحيته و الذي هدد و توعد قبل ان يتم تعيينه وزيرا للجيش قبل عامين و الذي قال انه في حال تعيينه سيقضي على حكم حماس خلال ثمانية و اربعين ساعة بما في ذلك اغتيال رئيس الحركة اسماعيل هنية، منذ ذلك الحين اصبح اكثر عقلانية و حتى الان يرفض الضغوط التي تمارس عليه من اجل الضغط على حماس حيث اعتبر ذلك سيؤدي الى مواجهه جديدة ليس فقط لن تعيد الجنود المفقودين بل قد تؤدي الى فقدان آخرين.
الموقف الاسرائيلي المتشدد حتى الان في عدم الولوج في مفاوضات جدية يعود للعديد من الاسباب ، اهمها الالتزام بتوصيات لجنة القاضي مئير شمغار ، رئيس المحكمة العليا السابق، و الذي كلفه باراك في العام ٢٠٠٨ بدراسة ملف تبادل الاسرى من كافة جوانبة، بما في ذلك استخلاص العبر من كل عمليات التبادل السابقة على ان لا ينطبق ذلك على المفاوضات لاعادة شاليط، و على ان يتم الالتزام بتوصيات هذه اللجنة بعد اتمام صفقة شاليط.
تم تقديم توصيات اللجنة لوزير الجيش و الحكومة و الاجهزة الامنية الاخرى و اعتبرت غاية في السرية، و لكن اهم ما نُشر في حينه عن هذه التوصيات هو ان على الحكومة الاسرائيلية عدم اطلاق اعداد كبيرة من الاسرى الفلسطينيين مقابل جندي اسرائيلي واحد، و ان مقابل الجثث يطلق سراح جثث لشهداء فلسطينيين تحتجزهم اسرائيل، ولاتمام الصفقة مسموح فقط اطلاق سراح عدد محدود من الاسرى الفلسطينيين .
الاخبار السيئة القادمه من اسرائيل ، وبعكس الوضع في حالة جلعاد شاليط، انه ليس هناك ضغوط ( حتى الان على الاقل ) تمارس على الحكومة الاسرائيلية لتقديم تنازلات و اطلاق سراح عشرات او مئات الاسرى الفلسطينيين، الضغوط التي تمارس حتى الان هي مطالبة ليبرمان و الحكومة الاسرائيلية بالاقدام على خطوات ضاغطة على حماس لاجبارها على اعادة الجنود بأقل ثمن ممكن ووفقا لتوصيات لجنة شمغار.
من الناحية الاخرى ، الاسير القسامي حسن سلامه المعتقل منذ العام ١٩٩٦ و المحكوم بمئات السنين و الذي يمضي معظم وقته في زنازين العزل و الذي اصرت اسرائيل على عدم اطلاق سراحه في صفقة شاليط ارسل رسالة الى رفاقه في كتائب القسام ينصحهم باتخاذ خطوات ضاغطة على اسرائيل لاجبارها على اتمام الصفقة، و القصد هنا استنساخ تجربة شاليط في التركيز على الرأي العام الاسرائيلي الذي بدوره يمارس الضغط علي الحكومة الاسرائيلية من اجل اتمام الصفقة.
المشكله هنا ليس فقط توصيات لجنة شمغار التي تقيد الحكومة الاسرائيلية بل في الظروف المختلفة حتى الان، حيث ضغط الرأي العام الاسرائيلي لم يكن فاعلا الا بعد ان اكدت حماس للاسرائيليين من خلال رسالة شاليط المسجلة بانه على قيد الحياة، الامر الذي ترفضه حماس حتى الان ، وترفض اعطاء اي معلومات عن حالة هدار غولدن و شاؤول اورن قبل ان تطلق اسرائيل سراح حوالي خمسين اسير اعادة اسرائيل اعتقالهم من محرري صفقة شاليط.
لا شك بأن هناك فارق آخر بين حالة شاليط و حالة الجنديين الاسرائيليين ، الاول هو ان القناعه و المعلومات الاستخبراتية كانت ان شاليط اسير على قيد الحياة وكانت اسرائيل على استعداد ان تدفع ثمن وهو اطلاق سراح الاسيرات مقابل مؤشر بأنه على قيد الحياة.
في حالة شاؤول و هدار اسرائيل تعتبرهم جنود اموات غير معروف مكان دفنهم و بالتالي هي تعتبر نفسها تفاوض على جثث و مع ذلك هي بحاجة لان تقطع الشك باليقين لكن دون ان تدفع الثمن التي يجب ان تدفعه مقابل هذه المعلومات.
ربما تدرك اسرائيل ، وربما لا تدرك، ان حماس ليس لديها خيارات حتى لو اختطفوا المئات من كوادرها و قياداتها و عناصرها وفقا لتوصيات ليئور لوتن ، او حتى لو تم استئناف الاغتيالات التي قد تؤدي الى مواجهه جديدة كما يطالب نفتالي بينت زعيم حزب البيت اليهودي ، لن تفيد كل هذه الضغوط بشيء، وتقديري ان السنوار لديه الاستعداد ان يدفع حياته ثمن على ان يستجيب الى اي ضغوط مهما كانت عنيفه.
جيد ان ليبرمان حتى الان لا يستجيب للضغوط التي تمارس عليه من اجل الاقدام علي خطوات تصعيدية اكثر مما تقدم عليه اسرائيل الان من حصار مفروض علي غزة في كثير من النواحي، جزء منها من اجل اجبار حماس على الكشف عن مصير الجنود المفقودين و اعادتهم.
على اية حال، من الواضح ان كل الجهود التي تبذلها اسرائيل من اجل معرفة مصير الجنود المفقودين و اقناع حماس باعادتهم لم تسفر عن اي نتيجة، بما في ذلك استغلاها لزيارة رئيس منظمة الصليب الاحمر الدولي و اجتماعه مع ابو ابراهيم السنوار امس.
حتى الان لم يجد اي طرف الصيغة المناسبة لاجبار الطرف الاخر على الجلوس على طاولة المفاوضات بشكل جدي لاتمام الصفقة. هذه الصيغة على ما يبدو لا تلوح في الافق ،على الاقل حتى الان.