حتى يحترم عروبتك، عليك ان تحترم كرديته وأمازيغيته وشركسيته وافريقيته، ومن اجل ان يحترم إسلامك عليك ان تحترم مسيحيته، ولن يحترم سنيتك ان لم تحترم شيعيته، تلك هي معادلة الحياة وعدالتها، القائمة على المساواة والتعددية واحترام الاخر، وغير ذلك عنصرية وأُحادية ومرض لن يقوى على الصمود.
إحترام الاخر لا يعنى انه على الصواب، وإنك على خطأ، أو إنك الصواب وهو دون ذلك، ولكنها المعادلة التي توفر التعايش والتراضي والشراكة بين بني البشر، فالأصل هو التعددية بين الذكر والانثى، بين الابيض والاسمر، بين الانسان والحيوان، ولكل مكانته وهويته وضرورته لاستمرارية الحياة وتوازنها.
لقد تعرضت ارض الكرد الى التمزيق المتعمد وتوزعت جغرافيتها بين العراق وسوريا وتركيا وإيران، وتشتت القومية الكردية بين البلدان الاربعة، وحملوا مواطنتها وجنسيتها، والاقسى من ذلك انهم حرموا من ممارسة هويتهم وإنتمائهم وقوميتهم ولغتهم وثقافتهم الخاصة بهم، وجرت المحاولات التعسفية لتعريبهم وجعلهم أتراكاً وإيرانيين، عُنوة، ولكنها محاولات تعسفية اصطدمت بإرادة الكرد ورفضهم واستطاعوا انتزاع حضورهم بدءا من العراق الذي كان اول المبادرين من قبل الرئيس الراحل صدام حسين بمنحهم الحكم الذاتي لكردستان العراق، وها هي سوريا تسير بنفس الاتجاه تحت ضغط عوامل خارجة عن ارادتها، ولم يكن ذلك بمبادرة من قيادتها، أما تركيا وإيران فالموقف عدواني متطرف ضد أي تعبير عن قوميتهم الكردية.
عوامل نجاح الكرد في العراق، وفي سوريا على الطريق، أرعب انقرة وطهران، فاذا كان الكرد ستة ملايين في كردستان العراق، ومليونين لدى سوريا، فهم 12 مليونا في تركيا وأكثر من عشرة ملايين في ايران، وهذا ما دفع اردوغان لاعادة النظر في كل سياسته نحو سوريا وانقلب 180 درجة من موقف دعم المعارضة السورية المسلحة في محاولة لاسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، الى موقف قبوله والتكيف معه وإقفال حدود تركيا في وجه المتطوعين الاجانب لصفوف المجاهدين، باستثناء الفصائل المسلحة التي لديها الاستعداد لمواجهة الحركة الكردية، وأكثر من هذا لقد وقع التفاهم بين انقرة وطهران، وزيارة رئيس الاركان الايراني لتركيا والتفاهم بينهما لمواجهة العدو المشترك والاكثر خطراً على البلدين من التوجهات القومية الكردية والاستفادة من تجربتي الكرد في العراق وسوريا، ولذلك تعمل تركيا وإيران ضد المحاولات الكردية الصاعدة وطمسها قبل ان تستفحل وتتسع وتسود.
الكرد بأحزابهم المختلفة قرروا في اقليم كردستان العراق إجراء الاستفتاء كخطوة على طريق تقرير المصير، وصولا نحو الاستقلال، وهي خطوة لن يتراجعوا عنها، لا اذا وجدوا الحضن العربية الدافئة لهم في بغداد، وبغداد اليوم ليست حاضنة وليست دافئة للكرد بل وللعرب انفسهم، فالتشتت المذهبي والتمزق الولائي، بين السنة والشيعة المفتعل، من خلال تدخلات إقليمية لجعل العراق اسيراً لمصالح البلدان المجاورة له، كي يواصلوا اللُعب في أحشائه، من قبل تركيا وايران والسعودية على قاعدة المصالح المتعارضة، وصراع النفوذ السياسي الامني، والاقتناص من ماضيه، ومعاقبته على افعال قيادته السابقة في عهد البعثيين.
حق تقرير المصير حق مشروع لكل قومية، ولكل فئة اجتماعية طالما تشعر بالغبن من الوضع القائم، وهذا ينطبق على الكرد، ولن يردعهم سوى إحساسهم بالشراكة وقبول التعددية، وتكافؤ الفرص لكل المواطنين في بلدهم بصرف النظر عن قوميتهم او ديانتهم أو مذاهبهم، فالعراق قوته في تعدديته، وليس عبر هيمنة القومية العربية على القومية الكردية أو بالعكس، أو هيمنة الشيعة على السنة أو بالعكس، إن المعادلة الطبيعية التي تحمي العراق من الانقسام والانفصال هي الاقرار الحقيقي الجدي الملموس في احترام الاخر، والتي قد تدفع بالكرد كي يصوتوا ضد الاستقلال عن العراق، وبقاء وحدتهم وترابهم وقوميتهم وإقليمهم جزءا من أرض العراق الموحد.
صحيح أن الاستقلال وحق تقرير المصير والتحريض سياسة معلنة من قبل المشروع الاستعماري الاسرائيلي وتحريضهم ليس حباً بالكرد، أو احتراما لهم، بل مصلحة اسرائيلية عدوانية بهدف اضعاف العراق وتمزيقه، وشله عن تأدية دوره في اسناد الشعب الفلسطيني وهذا لن يدفعنا الى التراجع عن حق الكرد بالاستفتاء وتقرير المصير، فالقصد هو احترام الكرد حتى يحترموا قوميتنا ومصالحنا وعروبتنا ووحدة ترابنا الوطني.