ماذا بعد دير الزور؟

WeSO3.jpg
حجم الخط

 

نقطة تحوّل مهمة في تاريخ النزاع السوري أن تتمكن القوات الحكومية السورية من كسر حصار مفروض على أهالي دير الزور ومجموعة من القوات تابعة للجيش السوري، كانت محاصرة ومعزولة تحت قبضة تنظيم "داعش" الذي يسيطر على المحافظة شرق البلاد.
هي نقطة تحوّل لأن القوات الحكومية السورية التي ركزت كل جهدها ووقتها على محاربة جماعات المعارضة المعتدلة، وإعادة السيطرة على مناطق حيوية وذات طبيعة جيوسياسية مهمة، هذه القوات باتت تركز على محاربة "داعش" وإنهاء سيطرته على كل من الرقة ودير الزور.
ثم إنها بالنسبة للنظام السوري بداية نهاية تنظيم "داعش" الذي أصبح يفقد السيطرة على أهم معاقله سواء في الرقة أو في دير الزور، ولذلك تكمن أهمية معركة دير الزور في كونها عنوان وجود هذا التنظيم الإرهابي، وسقوطها بيد القوات الحكومية السورية سيعني بشكل أو بآخر نهاية "داعش".
كسر جدار العزل الذي أقامته "داعش" على تخوم دير الزور، لا يحسب للقوات الحكومية السورية فقط، بل لحلفائها الروس تحديداً، الذين وجهوا ضربة بالطيران الحربي، وأخرى عبر صواريخ "كاليبر" المجنحة من البحر الأبيض المتوسط، طالت حصون "داعش" فوق الأرض وتحتها.
حدث أن تمكنت القوات الحكومية السورية من السيطرة على مدينة حلب الواقعة شمال سورية قبل حوالى العام، واعتبر هذا الإنجاز العسكري حينذاك تحولاً في طبيعة النزاع يرجح كفة النظام السوري الذي مكّنته معركة حلب من القيام بمناورات سياسية بنسبة معقولة من الأريحية.
ما حدث في حلب شبيه بما يحدث الآن في دير الزور، حيث اطمأنت القوات الحكومية السورية إلى أن المعارضة المعتدلة لم تعد تملك أسناناً ولا أظافر قادرة على القيام بفعل مؤثر يستهدف الأولى، وهو الذي جعلها تلتفت إلى ما يجري في دير الزور تحديداً.
هذه الالتفاتة عدا كونها مهمة لجهة محاربة "داعش"، وفقدانه السيطرة على أهم معاقله في دير الزور، فإنها أيضاً مهمة بالنسبة للقوات الحكومية السورية حتى تجس نبض قوات سورية الديمقراطية التي تحارب "داعش" في الرقة بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
حتى هذه اللحظة لم يحدث اصطدام مباشر بين القوات الحكومية السورية وقوات سورية الديمقراطية، حيث كل طرف يسعى إلى تعظيم وجوده وتحقيق مكاسب عسكرية ضد "داعش"، وانتزاع أراضٍ يسيطر عليها، ذلك أن أغلب نشاط قوات سورية الديمقراطية في الوقت الحالي ضد هذا التنظيم هو في الرقة.
في هذا الإطار من المهم الانتباه إلى تصريحات ستيفان دي مستورا المبعوث الدولي إلى سورية، حيث قال في أكثر من مناسبة إنه يعتقد أن النزاع السوري قاب قوسين أو أدنى من النهاية، واضعاً حداً زمنياً لنهاية هذا النزاع بعد شهر من الآن تقريباً.
دي مستورا قال إن على المعارضة السورية المعتدلة التعايش مع فكرة عدم انتصارها في النزاع السوري، ويبدو أن هذه الأقوال تتزامن مع التغيرات الجارية في موازين القوة التي تذهب لصالح القوات الحكومية السورية التي أضعفت المعارضة المعتدلة كثيراً وهي ماضية في إضعاف وإنهاء وجود "داعش".
على أن تصريحات المبعوث الدولي بخصوص نهاية النزاع السوري تأتي انطلاقاً من توسع سيطرة القوات الحكومية السورية على مناطق كثيرة كانت فيما مضى حصوناً وقلاعاً لمختلف أنواع المعارضة، وهي اليوم خالية منها وغير خاضعة لنشاطات عسكرية.
مع ذلك وإن حصل أن تمكن النظام السوري من فرض سيطرته على محافظة دير الزور، فهذا لا يعني بالضرورة نهاية النزاع السوري، خصوصاً في ظل ملفات كثيرة معقدة ولها قدرة على تعطيل أي فرص لتسوية الأزمة السورية.
من ذلك مثلاً ملف مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ملف مفتوح على غاربه ولم تسقط واشنطن موقفها من ضرورة رحيل الأسد عن السلطة، وهذه حال المعارضة المعتدلة ولو على ضعفها، فهي أيضاً ترى في اشتراطات تسوية الأزمة السورية عدم بقاء الرئيس السوري في الحكم.
ثم هناك ملف قديم جديد يتصل بتوجيه أصابع الاتهام إلى القوات الحكومية السورية عن ارتكابها فظاعات بحق السكان باستخدامها السلاح الكيماوي، حيث خلص تقرير جديد من فريق محقق في أمر السلاح تابع للأمم المتحدة، إلى أن النظام السوري استخدم الكيماوي على فترات مختلفة أكثر من 20 مرة.
بعد تحرير الرقة ودير الزور من "الدواعش"، ربما لن تكون هناك في سورية سوى قوتين رئيسيتين هما القوات الحكومية السورية وقوات سورية الديمقراطية، ومن غير المستبعد أن يحدث نزاع بين الطرفين نظراً لاختلاف المواقف بينهما فضلاً عن اختلاف مواقف وأجندات الحلفاء الدوليين.
نعم هناك بداية لنهاية النزاع العسكري وملامحها بدت تتضح أكثر فأكثر في المربع السوري، غير أن نهاية النزاع المسلح ولو أنها تؤثر في المسار السياسي لكنها لن تقود إلى تسوية الأزمة السورية، فما زالت الدول الكبرى المؤثرة في النزاع السوري تراوغ لتحقيق مصالح وأجندات خاصة.
سورية اقتربت كثيراً من لحظة الحسم العسكري، وفي حقيقة الأمر من المهم أن تُقيّم تنظيمات المعارضة المعتدلة حجمها على الأرض، وأن تنظر في إمكانية المناورة السياسية من العدم، ذلك أن ضعفها العسكري حقيقةً يعكس نفسه على وضعها في المسار السياسي.
القصد من ذلك أن نهاية "داعش" ستخفف الضغط كثيراً على النظام السوري، وهذه النهاية ستقود إلى تركيز الجهود على المسار السياسي، ولذلك من الحكمة أن تحافظ المعارضة المعتدلة على مكانتها في هذا المسار وأن تنخرط بعد أن تضع الحرب أوزارها في إعادة إعمار سورية.
لا ضير في إعادة قراءة المشهد السوري في ظل تطورات موازين القوة، فإما أن تتمكن المعارضة المعتدلة من حجز مقعد يؤهلها للعب دور في ترتيبات المرحلة الانتقالية وصياغة المشهد السياسي في سورية، أو أنها ربما ستكون خارج هذا المشهد إذا لم تحسن التعامل معه بعقل مفتوح وبالاحتكام إلى مجريات الواقع.