عن الخطوات المقبلة للدبلوماسية الفلسطينية

H48Hk.jpg
حجم الخط

 

في مواجهة توقف العملية التفاوضية، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، بعد فصل تفاوضي طويل لم ينتج عنه شيء، تحولت القيادة الفلسطينية إلى مواجهة الصلف الإسرائيلي بمقاومة دبلوماسية، جعلت من أروقة الأمم المتحدة، والعديد من مؤسساتها الدولية ساحات كفاح، أسفرت عن نجاحات متوالية للجانب الفلسطيني، لدرجة أن تم تمرير قرار ضد الاستيطان في مجلس الأمن، بعد تصويت كل أعضائه معه، باستثناء الولايات المتحدة بالطبع التي سمحت بتمرير القرار بالامتناع عن التصويت وعدم استخدام حق النقض/الفيتو، وذلك خلال الفترة الرئاسية الانتقالية التي أعقبت انتخاب الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب، وقبل توليه مقاليد المنصب رسميا في كانون الثاني من العام الحالي .
وكانت الدورة السنوية، وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنعقد في ثالث ثلاثاء كل أيلول، مناسبة للقيادة الفلسطينية لتجعل منه مفصلا في كفاحها الدبلوماسي، إن كان باعتماد دولة فلسطين عضوا مراقبا في المنظمة الدولية، أو بفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد مواطني دولة فلسطين في قطاع غزة والقدس والضفة الغربية .
لكن هذا العام، يبدو أن الرئيس محمود عباس ذاهب لإلقاء كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، دون أن تكون لديه قوة الدفع التي كانت خلال السنوات الماضية، أي خلال ولاية الرئيس الأميركي الديمقراطي السابق باراك أوباما، الذي كان يؤمن بحل الدولتين، وسعى جهده من اجل رعاية المفاوضات الفلسطينية / الإسرائيلية بهدف التوصل لحل تاريخي ولكن دون جدوى .
هذه المرة يذهب الرئيس عباس، لا ليواجه بنيامين نتنياهو وأركان حكومته اليمينية المتطرفة، ولكن ليواجه معها إدارة الرئيس الجمهوري المنحاز جدا وتماما لحكومة اليمين الإسرائيلي، دونالد ترامب، الذي لم يؤكد فقط على حل الدولتين، بل وحتى في موضوع الاستيطان، تراجع عن مواقف الإدارات السابقة، التي كانت تعتبر الاستيطان غير شرعي وأنه عقبة في طريق السلام، وهو عمليا يلخص ويقوم بترجمة مواقفه الانتخابية فعليا وعمليا، حين قال بان الاستيطان ليس عقبة في طريق الحل ولكنه ليس عقبة في طريق التفاوض أيضا، ولم يكتف بعدم إعلان موقف يندد على الأقل بقرارات الحكومة الإسرائيلية الأخيرة، كما اعتادت الإدارات السابقة أن تفعل، إن كان تجاه إقامة مستوطنة عيمحاي أو بالإعلان عن تشكيل مجلس محلي لمستوطني الخليل، لإدارة شؤونهم،  بل انه يواجه بكل صفاقة محاولة السلطة الفلسطينية إعلان قائمة سوداء من قبل الأمم المتحدة للشركات التي تتعامل مع ما تصدره المستوطنات من بضائع، بالضغط على المجلس الدولي لحقوق الإنسان لمنعه من إصدار قائمة سوداء ضد الشركات العالمية التي تتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية !
لعل في مسار الرئيس وعلى طريقه لنيويورك، ما يكشف بعضا مما في جعبته، فهو يلتقي الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون، في محاولة لتوظيف "الشق الضيق" من الاختلاف في الموقف تجاه الاستيطان بالتحديد بين الموقفين الأميركي والأوروبي، ولكن برأينا هذا لا يكفي، فلا بد من أن تظهر الدبلوماسية الفلسطينية قدرا من الحسم والقوة، بفتح الخطوط على كل من روسيا والصين وحتى إيران، كذلك وهذا هو الأهم، أن تغلق ملف الانقسام بأي شكل، لتطلق انتفاضة شعبية محددة الهدف والاتجاه، وقد جربنا قبل نحو شهرين، كيف اجبر مرابطو القدس حكومة الصلف اليميني الإسرائيلية على التراجع حين استخدموا سلاح المقاومة بسجادة الصلاة، على إزالة البوابات الالكترونية، على أن يكون الهدف هو إزالة المستوطنات، أي الكفاح ضد مظهر غير شرعي واحتلالي بنظر العالم كله، وإعلان ذلك صراحة، ويمكن للشعب الفلسطيني أن يجترح المعجزة ويعرف كيف يحيل حياة المستوطنين إلى جحيم، حتى يرحلوا وينصرفوا من أرضنا وبلادنا إلى الأبد .
لا شك أن ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي يدخل بمنعرج حاسم تماما، وهو في طريق الإغلاق، حيث تجد في إسرائيل حكومة هي الأكثر تطرفا منذ إقامة "دولة إسرائيل "، وتجد الوضع الفلسطيني ضعيفا، كذلك الوضع العربي، حيث يكشف نتنياهو نفسه بان الكثير من الدول العربية على علاقات جيدة مع إسرائيل، وأنها تتطلع لإقامة تحالف امني معها، وأنها جاهزة لحل إقليمي أو بمعنى أدق لتحالف إقليمي مع إسرائيل، يتضمن حل المسألة الفلسطينية تحت العباءة العربية وبما توافق عليه إسرائيل، ثم هناك إدارة أميركية نموذجية، تشد على يد التطرف والاحتلال الإسرائيلي دون أي مواربة.
ربما تكون القيادة الفلسطينية محتارة في تحديد نقطة الهدف بالكفاح المضاد، أي بين ما يشاع عن حل إقليمي يبدأ بعقد صفقة إقليمية تقوم باعداها واشنطن حسب التسريبات الإسرائيلية، وبين ملف الاستيطان، الذي يواجه تغطية أميركية، تضغط من أجل منع صدور القائمة السوداء للشركات التي تتعامل مع الاستيطان الإسرائيلي عن المجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي يترأسه الدبلوماسي الأردني الأمير زيد بن رعد الذي أكد بان القائمة ستصدر بنهاية العام .
عموما فإن غدا لناظره قريب، حيث عادة ما يلتقي الرئيس الأميركي الذي هو بمثابة "مضيف" للاجتماع الأممي، الزعماء المشاركين في المؤتمر، فان جمع كلا من الرئيس عباس ونتنياهو يكون قد خطا خطوة على طريق تهدئة الوضع الفلسطيني/الإسرائيلي، وانه ما زال مصرا على تسوية فلسطينية إسرائيلية ضمن صفقة إقليمية، بحيث يترك مضمونها لما يفرضه الطرفان على الطاولة، وفي كل الأحوال فإنه كما أن إسرائيل لا تتوقف عن التقدم ميدانيا فان الجانب الفلسطيني عليه أن لا يتوقف عن الكفاح الدبلوماسي وعن الكفاح الميداني المضاد للاستيطان والاحتلال، حتى يتوج كفاحه يوما بإزالة الاستيطان وإنهاء الاحتلال، بقوة الضغط وليس بإتقان التفاوض وحسب.