قامت طائرات سلاح الجو الإسرائيلية بقصف مركز ومصنع للذخيرة في مصياف ضواحي محافظة حماة، وعلى مشارف قاعدة حميميم الروسية في طرطوس فجر الخميس الماضي، وتأتي الضربة الجديدة بعد زيارة نتنياهو لروسيا الإتحادية في نهاية الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، حيث إلتقى الرئيس بوتين في مدينة سوتشي على البحر الأسود، والتي كما يبدو وفق المراقبين الإسرائيليين لم تحمل جديدا بالنسبة للتطلعات الإسرائيلية إن كان لجهة اولا تعزيز الدور الإسرائيلي كشريك كامل في تحديد طبيعة المرحلة القادمة في سوريا؛ ثانيا الحد من الدور الإيراني وحليفه اللبناني (حزب الله) على الأرض السورية؛ ثالثا المحافظة على آليات التنسيق على الحدود وفي الأجواء السورية، لتفادي اية ارباكات قد تنجم عن التداخل الأمني والعسكري بين قوات البلدين في سوريا؛ رابعا تعزيز العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين في مجال الأمن وتبادل المعلومات في القضايا ذات الإهتمام المشترك.
ورغم ان نتنياهو إلتقى بوتين في اقل من عام ونصف أربع مرات، وملاحظة تحسن نسبي في العلاقة بين الدولتين والقيادتين، إلآ ان الدور الإسرائيلي في المسألة السورية بقي دون الطموح، وذلك لإن روسيا الإتحادية بقدر ما تعي ضرورة أخذ المصالح الإسرائيلية بعين الإعتبار في الساحة السورية، بمقدار ما ترفض زيادة مساحة الدور الإسرائيلي هناك، لما يحمله من اخطار قد تهدد عملية ترميم بنية النظام السوري، فضلا عن تنافر الوجود الإسرائيلي مع وجود قوى عربية وإسلامية (ولو بالمعنى الشكلي) في الحل السياسي للمسألة السورية. ولعل رفض القيصر بوتين الإستجابة لمطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن الحد من الدور الإيراني يندرج في هذا الإطار. إضافة إلى ان العلاقات الثنائية الروسية الإيرانية، ليس في سوريا فقط، وانما على أكثر من مستوى وصعيد في منطقة النفوذ الروسية (بلدان آسيا الوسطى)، وفي عموم الأقليم وعلى المستوى العالمي حالت دون الإستجابة الروسية لمطالب الضيف الإسرائيلي ثقيل الظل والمتغطرس. الأمر الذي أثار حفيظة رئيس الإئتلاف الحاكم في تل ابيب، ودعاه مع أقرانه في الحكومة على اللجوء إلى فرض الذات بالقوة، والسعي لإنتزاع نفوذ اوسع واعمق مما تم الإتفاق عليه بين روسيا وأميركا في المحادثات، التي جمعتهم في العديد من الدول وآخرها الأردن، وبالتالي الضربة الجوية الأخيرة لم تأت من فراع، ولا تقتصر عند حدود ما يصنعه المصنع السوري، إنما حملت رسائل عديدة واضحة وقوية اولا لروسيا، عنوانها، أن إسرائيل لن تسمح بتجاهل مطالبها ودورها كلاعب رئيسي في المشهد السوري؛ ثانيا على روسيا تقليص الدور الإيراني في سوريا إلى الحد الأقصى، لإن إسرائيل لا تقبل، كما قال ليبرمان اليوم الجمعة "تمدد القوس الإيراني من طهران إلى لبنان مرورا ببغداد ودمش"؛ ثالثا إدراك إسرائيل للدور الروسي المقرر في المسألة السورية، لا يعني تسليمها بإملاءات ومحددات السياسة الروسية. والدليل ان الضربة الجوية الأخيرة كانت على مشارف القاعدة الروسية الأكبر والأهم في الشرق الأوسط "حميميم"، التي كما يبدو لم تكتشف راداراتها شيئا، او غضت النظر عمدا عن العملية الإسرائيلية لإعتبارات روسية خاصة، لذا لم تتصدَ مضاداتها ولا طائراتها للطائرات الإسرائيلية؛ رابعا على النظام السوري وحلفائه الإيرانيين الإنتباه جيدا لتنفيذ اي رد فعل على العملية الإسرائيلية، والإنتباه من توسيع نفوذ إيران وحزب الله في سوريا، لاسيما وان المناورة الأكبر التي تنفذها القوات الإسرائيلية في الشمال لمدة عشرة ايام، الهدف منها محاكاة سيناريوهات الحرب القادمة على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية.
لكن إسرائيل يبدو انها لا تقرأ بدقة سيناريوهات الأخرين. فروسيا حين تتفهم المصالح الإسرائيلية في سوريا، فإنها تدرك ما لها وما عليها. وهي قادرة على لي ذراع نتنياهو وإئتلافه الحاكم. ولكنها غضت النظر او تجاهلت الهجوم الإسرائيلي على المصنع السوري لتفادي ازمة اكبر وأعمق، ولإشباع غرور نتنياهو وإئتلافه الحاكم. دون ان يعني ذلك الموافقة على منطق الحكومة الإسرائيلية. وقد يلمس المراقب تصعيدا روسيا لاحقا على جبهة الجولان وفي الأجواء السورية للحد من الدور الإسرائيلي، ووضعه في حدود ما تم الإتفاق عليه مع الولايات المتحدة ودول الإقليم. كما إن إيران وحليفها حزب الله سيعملان على تعزيز دورهما في الساحة السورية، وقد يلجأ الحزب لتحريك الجبهة الشمالية او جبهة الجولان، خاصة وانه يملك من الأوراق ما يؤهله للقيام بخطوات إستفزازية، وبالضرورة بموافقة نظام بشار الأسد، ودون إعتراض روسيا، وهو ما سيربك بيبي وحلفائه في الحكم. وقادم الأيام كفيل بحمل الجواب على كل السيناريوهات.