الأميركيون يعودون: من الذي ينتظر؟

اشرف-العجرمي
حجم الخط

 تتحدث وسائل الإعلام المختلفة التي تنقل كذلك تصريحات لبعض المسؤولين مثل رئيس الحكومة رامي الحمد الله عن عودة قريبة للإدارة الأميركية لتحريك عجلة العملية السياسية، والجميع يراقب ما سيحدث في الملف النووي الإيراني الذي على ما يبدو يشغل إدارة اوباما اكثر من اي شيء آخر في هذه المرحلة. ولعل قيام الأميركان بالطلب من فرنسا التمهل في مشروع قرارها الذي تعتزم طرحه على مجلس الأمن الى ما بعد الاتفاق مع إيران يعكس رغبة في الرجوع الى ملف الصراع مرة أُخرى، ويعكس اكثر إرادة في استمرار احتكار هذا الملف. 
الجانب الفلسطيني لا يتوقع حصول اي تطور حتى لو عاد الأميركيون بكل ثقلهم، فما حصل مع المفاوضات التي رعاها جون كيري وزير الخارجية الذي بذل مائة في المائة جهدا وكرس وقتاً طويلاً لرعاية المفاوضات والجلوس مع الطرفين لساعات طويلة على مدى ثمانية شهور، لا يزال ماثلاً ولم يتسن لأحد ان ينساه، وطالما ان الإدارة الأميركية ليست في وارد ممارسة ضغوط جدية على إسرائيل لدفعها للقبول بالمرجعيات الدولية لعملية السلام، والقبول الفعلي والحقيقي بحل الدولتين على أساس حدود العام 1967، والمبادرة العربية للسلام، فلا مجال لتحقيق أي إنجاز في هذا الملف، بل من الممكن ان يؤدي التدخل الأميركي لوقف الفعل السياسي الفلسطيني الذي يراد منه إدخال العامل الدولي في معادلة موازين القوى بيننا وبين الإسرائيليين لخلق توازن نسبي يجعل إسرائيل تذهب نحو عملية تنهي الاحتلال وتفضي الى السلام بين الجانبين. وهناك تخوف من التدخل الأميركي اذا لم يكن مستنداً على تغيير قواعد العملية التفاوضية، بحيث يتحدد مسبقاً ما هو الهدف الذي ينبغي ان تصل اليه في النهاية والاتفاق على خطوط أساسية للبدء حتى لا يضيع الوقت ويكون لصالح استمرار إسرائيل في سياسة البناء في المستوطنات وتوسيعها وتهويد القدس وخلق وقائع وحقائق على الأرض تجعل حل الدولتين غير ممكن.
ليس واضحاً ماذا تريد الإدارة الأميركية وما الذي تخطط له، ولكن الحكومة الإسرائيلية بكل تأكيد لا تريد عملية تفاوضية جادة، ومن صالحها ان تبدأ مفاوضات مع الجانب الفلسطيني لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي ولفرملة اي خطوات دولية وخاصة من الاتحاد الأوروبي ضد المستوطنات وللضغط عليها في اي مجال. وسترحب بعودة المفاوضات على غرار ما حصل في الجولة الأخيرة بدون اي التزام بأي شيء، وتستطيع في إطارها ان تكمل مخططاتها.
حكومة بنيامين نتنياهو تعتبر الأسوأ لدى قطاع واسع من الإسرائيليين ليس لموقفها تجاه العملية السياسية التي لا يكترث لها الجمهور في اسرائيل، ولكن لخضوع نتنياهو لابتزاز الشركاء في الائتلاف، لدرجة ان الصورة التي جعلت الكثير منهم يصوتون له بسبب شخصيته القوية والكاريزما الشخصية التي يتمتع بها انهارت بهذا التشكيل الوزاري، وقيامه بتجاوز كل الخطوط الحمر في التشريع وفي تعيين الوزراء بدءاً من تعديل القانون الأساسي لصالح توسيع الحكومة التي تم تكبيرها من 18 وزيرا الى 24 حتى قبل ان تؤدي اليمين امام الكنيست، ولأنه تجاهل الموقف القانوني السليم في عدم تعيين وزير مدان بجريمة وحكم عليها كأرييه درعي وزير الاقتصاد المدان بقضايا فساد، كيف يمكن له ان يكون مسؤولاً عن اقتصاد إسرائيل، ونفس الشيء مع تعيين نواب وزراء بدرجة وزير وهذا مخالف للقانون، عدا عن الخضوع لحزب ( البيت اليهودي) بتعيين وزيرة قضاء (عدل) هدفها المعلن هو تغيير معادلة الفصل بين السلطات لصالح السلطة التنفيذية والتشريعية على حساب السلطة القضائية، وتحديداً محكمة العدل العليا التي يراها الإسرائيليون كضامن للعدالة وتطبيق القانون في وجه تغول الحكومات.
هذا عدا عن طابعها العنصري وتطرفها تجاه الفلسطينيين عموماً بمن فيهم من يعتبرون مواطنين في إسرائيل، وأيضاً تجاه المواقف الأميركية التي لا تروق لإسرائيل مثل الموقف من الملف النووي الإيراني. والسؤال هنا كيف ستعمل الإدارة الأميركية مع نتنياهو الذي تحداها في عقر دارها وفي الكونغرس تحديداً، وتدخل في الشؤون الداخلية الأميركية.
لا يبدو أن أي دور أميركي جديد سيكون مرحباً به على سجل التدخل الأميركي ليس فقط في المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، بل وفي كل الملفات التي وضعت أميركا يدها فيها بدءاً من أفغانستان مروراً بالعراق وانتهاءً بسورية، وعلى الأغلب لن يكون بمقدورها أن تغير هذه الانطباع سوى أن تأتي بجديد نوعي واستراتيجي، فهل هي فعلاً قادرة على ذلك أو معنية بأكثر من مجرد إدارة صراع من ضمن صراعات عديدة في هذه المنطقة؟!