في نيسان 2016، وقعت جريمة بشعة هزت مصر، حيث تناوب 12 شاباً على اغتصاب فتاة مختلة عقلياً بمحافظة الدقهلية، وكشفت التحقيقات أن شاباً استدرج الفتاة من الشارع واحتجزها بمكان مهجور أسفل جسر "سندوب"، وقام بالاعتداء جنسياً عليها، ثم استدعى عدداً من أصدقائه لمشاركته "المتعة"! واستمروا في ذلك لمدة 3 أيام متتالية، إلى أن لاحظ الأهالي تحركات غريبة لبعض الشبان أسفل الجسر، فاتصلوا بالشرطة، التي حضرت وضبطتهم متلبسين بالجرم، وهم يتناوبون على اغتصاب الفتاة.
وقد قضت محكمة جنايات المنصورة بالإعدام شنقاً على الشاب الذي استدرج الفتاة، وبالسجن المؤبد على 6 آخرين، والسجن 15 سنة لـ5 أحداث آخرين اشتركوا جميعاً في الجريمة.
وفي جريمة مشابهة وقعت في المغرب في تموز 2017، أظهر شريط فيديو صادم عدداً من الشباب وهم يحاولون اغتصاب فتاة تعاني اضطرابات نفسية، داخل حافلة نقل عمومي، حيث قاموا بنزع ملابس الفتاة والاعتداء عليها، مع توثيق ذلك بالكاميرا، وسط موجة من الضحك والصراخ، وبكاء الفتاة التي حاولت الدفاع عن نفسها. والغريب أن الركاب لم يحركوا ساكناً، وظلوا متفرجين!
وفي أيار 2017، في الغردقة بمصر، وقعت سائحة بولندية تدعى "ماجدالينا" ضحية تحرّش جماعي انتهى بخطفها واغتصابها.
وقد هاجمت الصحافة البولندية السلطات المصرية، واتهمتها بالتستر على الجريمة، خاصة وأن الضحية التي كانت تتلقى العلاج بالمستشفى انتحرت بإلقاء نفسها من النافذة.
وفي آذار 2017، في مدينة الزقازيق في مصر أيضاً، تعرضت طالبة جامعية ترتدي فستاناً قصيراً لتحرّش جماعي.. وحسب شهود عيان، طارد عدد كبير من الشبان الفتاة التي حاولت الهرب واحتمت بأحد المحلات، وقد حاول الأهالي إبعاد المتحرشين إلا أنهم فشلوا، حيث زادت أعداد المحتشدين لدرجة أنهم تسببوا بأزمة مرورية بالمنطقة، إلى أن جاءت الشرطة وأطلقت النيران لتفريقهم.
كما تعرضت طالبة في كلية الحقوق في جامعة القاهرة، للتحرش الجماعي في وسط الحرم الجامعي، حيث حاول المتحرّشون تجريدها من ملابسها والاعتداء عليها، فما كان منها إلا أن هربت إلى حمّام الجامعة لتحمي نفسها.
وفي تعليقه على الجريمة، ألقى رئيس الجامعة حينذاك د. جابر نصار باللوم على الفتاة، وقال: "إنها دخلت الجامعة بعباءة لتخلعها فيما بعد وتظهر بلباس غير لائق"!
في الرياض، ظهر ثلاثة شبان، في فيلم مسجل على اليوتيوب، وهم يطاردون فتاة ترتدي زياً شرعياً كاملاً، بل إنها منقبة، عند مدخل نفق للمشاة، كانوا يهددونها بعبارات جنسية فاضحة، فيما كان أحدهم يحاول الالتصاق بها، وهي تصرخ وتستغيث..
في فيينا، أدانت محكمة نمساوية ثمانية رجال عراقيين، بتهمة الاغتصاب الجماعي لسائحة ألمانية في احتفالات رأس السنة 2016، وقضت المحكمة عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين تسعة إلى 13 عاما، وكانوا قد وصلوا النمسا كمهاجرين، وتم منح خمسة منهم حق اللجوء.. وحسب التحقيقات، كانت المرأة تحت تأثير الكحول، فاختطفها أربعة رجال إلى شقة، وهناك كان بانتظارهم أربعة آخرون، ثم تناوبوا جميعا على اغتصابها.
وفي نيودلهي، وقعت جريمة اغتصاب مميتة (كانون الثاني/ 2012)، حيث قام ستة شبان بالاعتداء على "جيوتي سينغ" وهي طالبة عمرها 23 عاماً.. الجريمة حصلت في حافلة نقل عمومي، وانتهت برمي الفتاة إلى الشارع، وبعد نقلها للمستشفى توفيت على الفور.
وفي العام التالي قضت المحكمة الهندية على أربعة منهم بالإعدام، وبالسجن للبقية.
يمكن سرد مئات الأمثلة الأخرى من شتى بلدان العالم للدلالة على مدى انتشار هذه الظاهرة السلبية، التي أخذت تتفشى مؤخراً، في الشوارع، والباصات، والأسواق، بل وتقفز فوق أسوار الجامعات دون أن تفرق بين محجبة وغير محجبة، بين صغيرة وكبيرة.. ولم تعد مجرد حالات فردية معزولة..
وكعادة العقلية الذكورية في التبرير، وتجاهل الظواهر السلبية، خاصة عندما يكون مصدرها الذكور؛ فإنها ستحمل المسؤولية للمرأة، ولباسها، وخروجها للشارع، ومشاركتها في التظاهرات... وهذا النمط من التفكير السطحي إنما للتهرب من الاعتراف بالظاهرة أولاً، ولتبرئة المجرم ثانياً، وتجريم الضحية (لأنها الأضعف).. أو إرجاع السبب "لغياب الوازع الديني"، أو لعدم وجود قوانين رادعة.. الإحصائيات التالية، وهي موثقة ومن مصادر مرموقة تفند كل هذه المزاعم..
أفاد تحقيق استقصائي لوكالة رويترز العام 2010 بأن السعودية تحتل المركز الثالث في قضايا التحرش الجنسي بمواقع العمل، من بين 24 دولة شملتها الدراسة و12 ألف امرأة شملتها العيّنة، وحسب التقرير فإن 16% من العاملات بالسعودية يتعرضن للتحرّش من رؤسائهن في العمل، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 26% في الهند، وتنخفض في السويد وفرنسا إلى 3%.
والسعودية بلد إسلامي، ومجتمعه مغلق ومتزمت ومتشدد في المسائل الدينية، والنساء ملتزمات بالزي الشرعي والنقاب.. ومع ذلك، لا تجرؤ الفتاة أن تمشي بمفردها في شوارع الرياض.
في مصر مثلاً، زادت قضايا التحرّش بمعدلات مخيفة، بتناسب طردي مع زيادة نسبة المحجبات!!
وحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن مصر من أسوأ دول العالم في نسب التحرّش بالنساء، وتحتل المرتبة الثانية بعد أفغانستان.
ووفقاً لتقرير المركز المصري لحقوق المرأة الصادر العام 2008 فإن نسبة النساء اللواتي يتعرضن للتحرّش وصلت إلى 83%، 64.1% يتعرضن للتحرش يومياً. (في لبنان 30%)، وبعد ثورة يناير 2011، زادت المعدلات بنسبة كبيرة، حتى أن ظاهرة التحرّش تحولت إلى ظاهرة الاغتصاب الجماعي..
خلاصة القول إن لباس المرأة ما هو سوى حجة واهية للتغطية على الأسباب الحقيقية للظاهرة؛ فالنساء المحجبات يتعرضن للتحرّش أيضاً.. بل إن الأطفال يتعرضون للتحرّش، وبنسب مخيفة؛ وأثبتت دراسات عديدة أن الدول العربية تحتل مراكز متقدمة في نسب التحرّش الجنسي بالأطفال، في السعودية مثلاً يتعرض طفل واحد من بين كل أربعة لتحرّش جنسي، حسب إحصائيات كلية التربية في جامعة الملك سعود.
بالنسبة للقوانين، أغلب الدول شرعت قوانين صارمة تصل إلى الإعدام، ربما المغرب من بين دول قليلة لا تعاقب المتحرّش الجنسي، ومؤخرا طرح البرلمان مشروع قانون بحبس المتحرّش من شهرين إلى عامين وبغرامة مالية تصل إلى 3000 درهم، لكن الحكومة تحفظت على القانون ولم تقرّه.
مفهوم التحرّش الجنسي، والاغتصاب، وأسباب الظاهرة، وفهمها بشكل أعمق موضوع مقالة قادمة.