بقلم: الكاتب نبيل الزيناتي
لم يكن الواقع الفلسطيني والمنظومة الوطنية في حال أسوأ مما هي عليه اليوم، على اعتبار أننا ومنذ النكبة لم يجمعنا إلا الهوية الوطنية الفلسطينية وحلم العودة إلى الأرض، وبناء دولتنا على أُسس ديمقراطية مدنية نقدم انفسنا للعالم بشكل يليق بوطننا ومقدساته الذي كرمنا الخالق بأن تكون في فلسطين، لم يستطيع الاحتلال زرع الفتنة بين الشعب الفلسطيني بكل مكوناته على مدى سنوات وجوده فوق أرضنا السليبة، لكن للأسف جاء الانقسام لضرب النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية وتجربة الحكم الفلسطيني في الصميم، بالتالي خلق كينونات صغيرة وهمية هامشية ليس لها أي تأثير، واستمراره يزيد من تبديد الهوية الوطنية الفلسطينية ويتيح المجال واسعاً أمام التآكل والضمور، وهذا يحمل المجموع السياسي الفلسطيني مسئولية استنهاض الوطنية الفلسطينية بمعناها (الثقافي) والكياني (السياسي)، عبر إنهاء الانقسام وتجديد بناء المشروع الوطني، وتوليد رؤية جديدة تطابق بين شعب فلسطين وأرضه ومشروعه الوطني.
كارثة الانقسام جعلتنا نشعر عملياً بفقدان حاضنة الوطن والنظام السياسي القائم، حيث أن هذا الشعور جعل المواطنين يتجهون نحو كينونات هامشية للتشبث بها لحمايتهم من اي تغيير قادم، منهم من لجأ إلى العائلة والعشيرة والمدينة والقرية ..الخ من مسميات لم تكن في السابق إلا تجمعات عائلية بحتة هدفها التواصل الاجتماعي والرفاهية والسمر، لكن الشرخ الذي زرعه الإنقسام في نفوس المواطنين ساهم بتفاقم العنصرية للبلدة والمدينة والاصل والفصل، فأصبح الفلسطيني إن سُئل من أين انت؟ أجاب: من غزة، من الضفة، من مخيمات لبنان، أو من هنا وهناك، أصبح يعرف نفسه من الشمال أو من الجنوب، مدني أو فلاح، كلنا ذهب يختبئ خلف اي جدار ما عدا جدار الوطن بعدما جعله المنقسمون مطية.
أصبح تفتيت الهوية الوطنية واقعاً نعيشه بعد غياب حاضنة الدولة والنظام السياسي الموحد الذي من المفترض أن يمثل الكل الفلسطيني، في المقابل خلق الاحتلال لنفسه هوية من العدم واللاشيىء، شعب تم تجميعه من أماكن متعددة وأعطى اولوياته الجمة لخلق حضارة وتاريخ وهوية لشعب ليس له وجود في هذه الأرض، ولم يكن له أي نظام سياسي على الإطلاق، عمل بلا كلل أو ملل من أجل تقديم نفسه للعالم بشكل وطريقة يستعطف بها دول العالم، ورصدوا مليارات الشواكل على مدار عشرات السنوات كي يخلقوا لغة وهوية وحضارة خاصة بهم واستطاعوا ذلك بالطبع.
الفلسطينيون هم من صنعوا الإنقسام وعليهم إنهاءه والعودة إلى إحياء الهوية الوطنية من جديد، والتي سوف نحتاج الي عشرات السنيين كي نتمكن من ذلك إذا توفرت النوايا الصادقة والإنتماء الحقيقي للوطن.