لعبة شد الأعصاب

thumbgen (29).jpg
حجم الخط

 

مجددا اطلقت كوريا الشمالية يوم الجمعة الماضي صاروخا باليستيا متوسط المدى حلق لمسافة 3700 كيلو متر، وإرتفع إلى 770 كيلو متر وسقط في المحيط الهادي قبالة جزيرة هوكايدو شمالي اليابان. وتأتي هذة التجربة بعد اربعة ايام فقط من فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات جديدة على بيونغ يانغ. وهو ما يعني أن القيادة الكورية الشمالية غير مبالية بالعقوبات الدولية، رغم قسوتها، ولقناعة راسخة عند الزعيم جيم كون أون بأن هذة العقوبات تمليها الولايات المتحدة وحلفائها على المجتمع الدولي، وبالتالي لا تعير إهتماما لها. لإن الحلقة الرئيسية في الجهد الكوري هو الإمساك بورقة سلاح الردع النووي، لإنه السلاح الوحيد من وجهة نظر الزعيم الشاب القادر على محاكاة سادة البيت الأبيض ومن معهم.   كما تداعى اعضاؤه (مجلس الأمن) لجلسة طارئة مساء ذات اليوم للبحث في الخرق الكوري الجديد.

 ورغم الحراك الديبلوماسي والسياسي الدولي، والمواقف المنددة بتجربة بيونغ يانغ الصاروخية الجديدة، إلآ ان القيادة الكورية الشمالية تابعت بهدوء سياساتها، ولم تعلق كثيرا على جلسة مجلس الأمن في ذات يوم الإطلاق للصاروخ الجديد. كما تعاملت مع موقف وبيان كوريا الجنوبية المندد ب"إستهتار"ها بالسلم في الشرق الأقصى والعالم بذات السوية، ولم يزعجها إتصال وزير الخارجية الأميركي بنظيره الروسي، ولا بتصريحه الذي دعا فيه كل من الصين وروسيا إلى "إتخاذ إجراءات مناسبة" ضد كوريا الشمالية بعد إطلاق الصاروخ، لإنه بات يدرك ان كل ردود الفعل الأميركية ستبقى عاجزة عن التأثير في مواقف الحليفين الصيني والروسي، لاسيما وانهما مستفيدان من سياسة شد الأعصاب التي تلعبها بيونغ يانغ مع واشنطن وسئول  وطوكيو. مما دفع تيلرسون للغمز من قناة القطبين الصيني والروسي، فقال " الصين تمد كوريا الشمالية بغالبية نفطها، وروسيا هي المُوظف الأكبر للعمالة الكورية." وهو ما يعني توجيه الإتهام بشكل غير مباشر للقيادتين الصينية والروسية بالتواطؤ مع كوريا الشمالية.

مع ذلك ممثلي الإدارة الأميركية اجروا مؤخرا حوارا سريا مع ممثلي الزعيم جيم، مستهدفة من ذلك محاولة سبر أغوار القيادة المتمردة على التوجهات الدولية، والتي بدأت تشكل عامل توتر وقلق في الأوساط الأميركية، لعلها تستطيع من اللقاءات الوصول إلى بعض المعلومات عن البرنامج النووي الكوري الشمالي، او إمكانية إستقطاب أحد المفاوضين الكورين، او دسم السم في عسل العلاقات الكورية الصينية او الكورية الروسية. وأي كانت خلفيات اللقاءات السرية مع بيونغ يانغ، فإنها تعكس تراجع الإدارة الأميركية عن تصلبها تجاه القيادة الكورية، وايضا تحمل في طياتها التسليم بدخول بيونغ يانغ النادي النووي وملعب قوى الردع العالمي، بالإضافة لخشية أميركا من أية خطوات كورية شمالية غير محسوبة.

تجربة القيادة الشمالية مع الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية تعكس التصميم والإرادة الصلبة للزعيم جيم كون أون في مواجهة إعدائه. وعدم التهاون او التردد في التصدي لهم، والإصرار على المضي قدما في دفع الأمور إلى حافة الهاوية، ليس رغبة بذلك إنما لردع سياسة العصا الغليظة الأميركية او غيرها. لإن القيادة في بيونغ يونغ تعلم ان الدفاع عن الذات الكورية لا يكون بالمناشدة وإستجداء السلامة والحماية من قوى تتربص بها، ولا تريد لها السلامة والعيش الآمن، إنما بإمتلاكها السلاح الذي يكفل لها الجلوس على الطاولة ندا قويا ومسموعا من قبل كل الأعداء والأصدقاء.

 وهذا لا يعني الموافقة على خيار الصفر، او تأييد إنتاج السلاح النووي في كوريا الشمالية أو غيرها من الدول، لإن كل سلاح نووي هو جريمة بحق البشرية، وهو إسهام لتدمير الحضارة الإنسانية من حيث يدري او لا يدري أعضاء النادي النووي. ولإن الردع يمكن ان يتحقق بالتكافل والتعاون وفق معايير ومواثيق وقوانين الأمم المتحدة، وليس بإنتاج اسلحة الموت النووية. لإن أي زعيم متطرف او مغامر قد يدفع الأمور إلى حرب كونية لا تذر ولا تبقي من الحضارة الإنسانية شيئا. وهذا خطر ماحق ليس على شبه الجزيرة الكورية ولا على جنوب شرق آسيا او الولايات المتحدة، انما هو خطر على البشرية كلها ودون إستثناء.

لذا لعبة شد الأعصاب بين ترامب وجيم كون أون عليها التوقف فورا، وإعطاء مساحة حقيقية للحوار الإيجابي والوصول إلى تسوية القضايا المثارة وخاصة قضية السلاح النووي بما يخدم مصالح الشعوب في الشرق الأقصى والعالم عموما.