عباس غاضب.. ودحلان ثعلب.. ونتنياهو متآمر!!

thumbgen (16).jpg
حجم الخط

 

يقولون «أهل مكة أدرى بشعابها».. من ثم فالحوار الإعلامى الدائر حالياً بشكل متفائل عن قرب التوصل لسلام ودولة فلسطينية ليس دقيقاً.. فيه من المبالغة والمجاملة أكثر من الدقة والمعلومات.. عفواً كل الذين يتكلمون ويكتبون عن القضية الفلسطينية فى الوقت الراهن لم يشاهدوا مدن الضفة أو العدوان الإسرائيلى اليومى على أهلها، سواء من جنود الاحتلال أو المستوطنين.. ما أنجزته مصر حتى الآن إن شئنا الدقة ليس «مصالحة» ولكنه «تصحيح» لوضع شاذ نتج عن سيطرة حماس على غزة وطرد موظفى وسلطات فتح منها، بل وقتلهم عام 2007..

الآن بفضل مصر تعود فتح لممارسة «الشرعية» فى غزة وتنسحب اللجنة الإدارية التى أنشأها الحمساوية لإدارة شؤون القطاع.. جهد مشكور لمصر.. اعتراضى على كلمة «مصالحة» فمازال الوقت مبكراً لهذا التصريح.. لقد حدثت عشرات اللقاءات بين الفصيلين المتصارعين ولم تسفر عن شىء.. إذن «التصحيح» خطوة على طريق المصالحة.. لقد جلست مع عرفات وأبومازن بعده عشرات المرات منذ اتفاق أوسلو 1993 فى فيلا العروبة الشهيرة وشهدها معى رؤساء تحرير وكتاب كبار ولا أدرى أمازالوا يتذكرونها أم لا..

وقبل أن أعرض لعقبات وصعوبات التوصل إلى الدولة الفلسطينية المستقلة يهمنى ألا يربط أحد بين خطاب الرئيس السيسى أمام الأمم المتحدة ويشبهه بخطاب السادات أمام الكنيست الإسرائيلى.. ليس هذا تقليلاً من شأن الرئيس السيسى ولكن من الخطأ أن تقارن عصر الزعيم الراحل بما نحن فيه.. فخطاب الكنيست يوم 21 نوفمبر 1977 لم يكن هو المفاجأة الأولى ولكن سبقه الضربة الاستباقية الكبرى يوم 9 نوفمبر، عندما فجر قنبلة دبلوماسية فى افتتاح الدورة البرلمانية لمجلس الشعب، عندما قال «وستدهش إسرائيل عندما تسمعنى أقول الآن أمامكم إننى مستعد للذهاب إلى بيتهم إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم».. كان عرفات يجلس فى الصف الأول أمام الرئيس السادات مباشرة وذهل «أبوعمار» من نظرة السادات المباشرة له.. ثم وقف أمام الكنيست بعدها بأسبوعين.. وأعلن ما لا ينسى وهو واقف يهز جدران الكنيست «اعترف بإسرائيل لأنها أصبحت أمراً واقعاً.. لقد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع حاولتم بناءه على مدار ربع قرن وحطمناه فى أكتوبر 1973».. ثم أردف هناك أرض عربية احتللتموها ومازلتم تحتلونها بالقوة المسلحة ونحن نصر على تحقيق الانسحاب الكامل منها بما فيها القدس العربية.. وبزهو المنتصر أضاف أننا نطلب الانسحاب كأمر بديهى «لا رجاء فيه لأحد أو من أحد».

ببساطة كان السادات يتحدث عن سلام لم يتحقق بين أكبر عدوين، أما الرئيس السيسى فكان خطابه بمثابة «تحذير» من ضياع فرصة سيندم عليها الفلسطينيون والإسرائيليون.. ظروف مختلفة وتعبيرات تغيرت بعد حرب عانى منها كل بيت فى إسرائيل.. ولعب أنور بدهاء على الدماء الساخنة.. أعود لخطة السلام حالياً أو «صفقة القرن» وأؤكد أنه لا أحد يعلم عنها شيئاً لكن.. لماذا يلوح فى الأفق ترحيب مصرى بصعود «دحلان» لرئاسة السلطة الوطنية بدلاً من أبومازن؟.. الحقيقة ليست كذلك.. ولكن دعونا نحدد الأسباب.

أولاً: بين أبومازن وحماس «دم» و«ثأر» والقلوب ليست صافية.. لذلك ترى القاهرة أن دحلان أكثر قدرة على احتواء غزة وفرصته فى الفوز بالانتخابات أكبر وهذا لا يقلل من الدور التاريخى لأبومازن..

ثانياً: حاولت القاهرة إفهام أبومازن أن الحصار المالى الذى يفرضه على قطاع غزة، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية الإسرائيلية وارتفاع البطالة يساهم فى قرب حدوث انفجار داخلى فى القطاع ضد حماس ويهدد مصر.. لكنه لم يستجب وعلق مسؤولية السخط الشعبى على حماس فقط، فحصاره لم يبدأ إلا منذ 6 أشهر، لكن الحمساوية هم من أوصلوا القطاع لقرب الانفجار طوال عشرة أعوام.

ثالثاً: هناك تغييرات رآها أبومازن تمس سلطته وهى أن محمد دحلان، المسؤول عن قمع الحمساوية فى التسعينيات وبداية الألفية صار فجأة حليفا مقرباً منهم وعدواً لأبومازن ومنشقا عن السلطة الوطنية.. القاهرة والإمارات أتاحتا مساحات إعلامية لدحلان، نظراً لتشدد أبومازن وإصراره على أشياء قد تنهى المصالحة تماماً مثل تقديم المسؤولين عن المذابح التى ارتكبتها حماس ضد رجاله فى 2007 للمحاكمة العلنية وإطلاق أسرى فتح فى سجون غزة بلا محاكمة.. فى ذات الوقت استطاع دحلان الثعلب التودد لحماس لدرجة أنه ظهر فى أحد مؤتمرات الحركة بالفيديو كونفرانس فى إشارة لا تخفى على أحد.. هنا جن جنون أبومازن وقرر إجراءات عقابية ضد حماس فقطع إمدادات الكهرباء ليعيش القطاع فى ظلام دامس ومنع الوقود وخفض رواتب موظفى غزة والمبالغ الشهرية التى تدفع لعائلات مسجونى حماس فى إسرائيل.

رابعاً: أبومازن يرى سرعة تنفيذ اتفاقيات أوسلو التى كان ينبغى إتمامها 1999 بالاستقلال التام لفلسطين، لكن إسرائيل انسحبت من المنطقة «أ» فقط ومازالت تحتل المنطقتين «ب»، «ج» اللتين تمثلان 60% من أراضى الضفة الغربية، بما فيها القدس وزادت من عمليات الاستيطان بصورة مخلة، بحيث لم تعد هناك أراضٍ باقية لدرجة أنها دخلت مرة أخرى إلى المنطقة «أ» الواقعة تحت الولاية الأمنية الفلسطينية.. ترى القاهرة استكمال الانسحاب النهائى من المنطقة «أ» ثم تبدأ مفاوضات طبقاً لجدول زمنى تنهى احتلال «ب» و«ج».. هنا يرى أبومازن أنه مر وقت طويل فى مفاوضات بلا طائل لمدة 24 عاماً وحان الوقت أن يتم كل شىء فى جولة مفاوضات «واحدة».

خامساً: يشعر عباس أن كل ما فعلته سلطات الاحتلال مثل جدار العزل العنصرى ونقاط التفتيش والحواجز المذلة والمهينة التى يقيمها الجيش الإسرائيلى واعتقال ستة آلاف أسير فلسطينى والعصابات اليهودية التى تفرض الإتاوات على تنقلات الفلسطينين هو لتأخير الحل النهائى لذلك يجب أن يزال كل هذا قبل التفاوض على أن ينص مشروع السلام على وحدة الأراضى الفلسطينية وعدم السماح بحلول مؤقتة أو دويلات مجزأة وتشكيل حكومة تعمل وفقاً لبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية.. ورغم أن كل طلبات أبومازن شرعية وقانونية وتتفق مع القرارات الدولية، إلا أن التفاوض مع الاحتلال يتطلب مرونة وليس شروطاً.. مما سبق يتضح أن «المصالحة» لم تتم بالمعنى الشامل وكل ما حدث أننا ألقينا «بذرة» جديدة فى تربة جافة وعلينا ريها ورعايتها.. فالطريق طويل.. أن هذه «البذرة» التى وضعتها القاهرة يمكن أن تعود على مصر بمكاسب عظيمة، أهمها فوز مرشحها بالرئاسة الفلسطينية واستعادة الدور المصرى فى عملية السلام.

والنتيجة أن هناك رابحين اثنين.. دحلان ونتنياهو.. أبومازن خاسر لأنه كان يدعو طوال عشرة أعوام حماس إلى التفاوض ولما اقترب أصبح يخشى الخسارة، لأن جسوره السياسية انتهت تماماً مع القطاع.. نتنياهو يلعب أقذر مؤامرة.. فهو يراهن على حكومة تجمع بين فتح وحماس ليضعها أمام المجتمع الدولى الممول الرئيسى للسلطة! من ثم تكون الحكومة الجديدة- إذا تشكلت- دائماً تحت ضغط إسرائيل وأمريكا اللتين مازالتا تعاملان حماس على أنها إرهابية.. خطة شيطانية كى تشكو تل أبيب للعالم يومياً أن الحكومة الفلسطينية بها عناصر إرهابية تهدد أمنها وسلامة مواطنيها الأبرياء الطيبين.. باختصار مكسب نتنياهو هو وجود حماس داخل الحكومة الفلسطينية لتسمح له بالتهرب من الالتزامات ورفض التفاوض مع إرهابيين سابقين وكأن الإسرائيليين ملائكة منزلين من السماء.. اللهم لطفك وعدلك.