في ذاك اليوم ٢٨/٩/١٩٧٠ الساعة العاشرة صباحا، المكان قطاع٢٠١ جرش، قوات العاصفة، كانت الصدمة عندما فتحت راديو الترانزستور لاسمع ما لا اتوقع واحب، وفاة الزعيم جمال عبدالناصر ،هذا الزعيم الذي تشكلت خلايانا وانسجتنا الوطنية والقومية والثورية على يديه وعلى ثورة يوليو، ومن عمق الصدمة والغل ما كان الارفعت الكلاشنكوف الى اعلى مطلقا زخات من الرصاص احتراما وتقديرا لزعيم افنى حياته من اجل امته رحم الله للزعيم والقائد جمال عبد الناصر في ذكرى رحيله.
كانت الصدمة والحزن تعم المكان مقاتلين وشجر وحجر ، صدمة اضيفت الى صدمة اخرى وهي الحالة المأساوية والدموية بين الاشقاء المقاتلين الفلسطينيين والجيش الاردني والعشائر والقبائل ، منذ سنوات قليلة كان هناك خندق واحد يجمعنا في معركة الكرامة واللواء مشهور حديثة والمدفعية الاردنية والشهداء، احداث مؤسفة بين شعبين اشقاء فلسطيني واردني وحكومة وجلالة الملك" الذي صرخ ابان معركة الكرامة "" كلنا فدائيون" ومن فوق دبابة اسرائيلية مدمرة ،جو من الاحباط يعم الجميع، وام يتوارى ، وحينها ايقنت اننا ذاهبون للمجهول ، والقضية للمجهول ، عبد الناصر الذي وضع كل امكانيات الجمهورية العربية المتحدة في خدمة رجال الثورة عتادا وتدريبا ودعم سياسي ومعنوي ، ومشاركة في بعض العمليات العسكرية واهمها كما اذكر عملية ايلات الكبرى من مغاوير الصاعقة المصرية ، كنت متيقن ايضا اننا وقعنا في اخطأء فظيعة سلوكيا ، تكاد هي نفس الاخطاء في لبنان ، فكانت قوت الثورة شبيهه بحومة ظل تدخلت بين الزوج وزوجته والاب وابنه وسيطرد على الشوارع في عمان واربد والزرقاء بالاضافة الى سلوكيات مشينة اخرى لم توضع لتلك السلوكيات ضوابط وعقوبات وسرقة سيارات من بعض الفصائل ، وللامانة ابو عمار عارض سرقة السيارات وكنت احد الافراد بناء على اوامر ابو عمار في الحسين ان نسترجع بعض السيارات المسروقة من معرض سيارات من احد الفصائل في جبل النزهة ، وللامانة ايضا ان العشائر والقبائل الاردنية ما قبل تضخم الثورة وعدم سيطرتها على اطرها ساعدتنا كثيرا ، ومن المؤكد ان اتساع دائرة الانضمام للثورة تمت اختراقات كبرى ، ولكن ليست السلوكيات فقط هي من فجرت الازمة مع الاشقاء في الاردن فكانت مبادرة روجرز للسلام وقبول عبد الناصر والاردن لتلك المبادرة والتي على اثرها تصرف احد فصائل اليسار بتصرف مشين بحق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وفي اثناء مظاهرة هاجمت عبد الناصر .
قيادة الثورة لم تتعلم من اخطائها في عمان لتكررها في لبنان ومع الاحزاب اللبنانية بشكل عام ولم يقتصر وجودها في الجنوب على الخط الحدودي مع الاحتلال بل احتلت بيروت والشمال والجبل ...!!!!
وعودة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، والذي كان له دورا رئيسيا فيحقن الدماء بين الاشقاء في الاردن واخرج ابو عمار ورفاقه لحضور مؤتمر القمة العربي في القاهرة 23سبتمر 1970 وقبل وفاته بخمسة ايام وأقرّت القمّة بعد جهود من المفاوضات الإنهاء الفوري لجميع العمليات العسكرية من جانب القوات المسلحة الأردنية وقوات المقاومة الفلسطينية، وعودة القوات لقواعدها، وإطلاق سراح المعتقلين من الجانبين. وتم تشكيل لجنة عليا لمتابعة تنفيذ هذا الاتفاق. وقد عرفت هذه القمة دورًا مميزّا للوزير الأول التونسي الباهي الأدغم الذي لعب دور الوسيط بين ياسر عرفات والحكومة الأردنية. وهذه القمّة العربية هي آخر قمّة يشارك فيها الرئيس المصري جمال عبد الناصر حيث توفيّ بعد أقل من أسبوع واحد من انتهاء أشغالها.
خسرت الثورة الفلسطينية والامة العربية جمال عبد الناصر ولم يشهد اليوم الذي تتراجع فيه الثورة وتنتهي مناسكها ويطارد ثوارها على اثر اتفاق اوسلو والعلاقات الثنائية بين السلطة واسرائيل ، وهو القائل "" وجدت الثورة الفلسطينية لتبقى " واضاف عليها ابو عمار لتنتصر ..!! فلم تبقى الثورة ولم تنتصر ولم تحقق اهدافها ، وان لم تنتصر الثورة المعاصرة بمؤسسيها ، فان النهج الثوري ما زال يتفاعل في صدور ابناء فلسطين في القدس والخليل ونابلس وجنين وغزة والشتات وبرغم مشاريع متعددة تستهدف ارتكازات القضية واسسها وتحول ثقافي يستهدف غريزة الثورة من اجل الحق الفلسطيني والعودة .
عبد الناصر لم ينتزع من قلوبنا وعقولنا ومنذ بزوغ ثورة يوليو كاؤل ثورة تحررية في الوطن العربي للدولة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية وتقسيم الدول العربية على القوى المنتصرة فيها ، ولم اتجاوز او اجامل ان قلت ان عبد الناصر وثقافة يوليو شكحلت انسجتنا وخلايانا الدماغية فمنذ طفولتنا ترعرعنا على ثقافة الثورة وادبياتها والانحياز للحق والفقراء بثورة الفلاحيين والاصلاح الزراعي وتاميم املاك الاقطاع وتأميم قناة السويس والسد العالي والمصانع الحربية والغزل والنسيج وقصب السكر وثورة زراعة القطن وقصب السكر ، هي مصر الحديثة الدولة الوطنية التي رفعت شعار العدالة الاجتماعية .
جماهير الامة العربية رفعت جمال عبد الناصر على اكتافها واذكر عندما سؤل امير الكويت اذا حدث استفتاء في الكويت بينك وبين عبد الناصر من سيختار الشعب : اجاب امير الكويت في ذاك الوقت : بالتأكيد عبد الناصر .
في غزة بلد الثورة والطلائع والنخب الثورية تعلمنا في الطابور المدرسي كل صباح ان نقف باضباط ونحيي العلمين علم الجمهورية العربية المتحدة وعلم فلسطين تحيا الجمهورية العربية المتحدة تحيا فلسطين عربية حرة ، كانت الفتوة للثانويات بزي موحد تلقن معاني الانضباط العسكري ، وكانت كتائب الشهيد مصطفى حافظ ضابط الاستخبارات العسكرية المصرية تلك الكتائب بقيادته تتوجه نحو الارض المحتلة في عمليات خاطفة ... نعم جمال عبد الناصر هو اول من امن بفكر الكفاح المسلح وحرب العصابات لتحرير فلسطين .
ونحن في مرحلة التعليم الاعدادي كنا نرسل لجمال عبد الناصر رسائل على بريده ليرد علينا بعد اسبوعين بمظروف فيه صور له ولعائلته وثلاث كتب احداها الميثاق .
بعد وفاة عبد الناصر تحركت بعض الاقلام المشبوهة لتشكك في السد العالي وقيمته وبالقطاع العام وبانجازاته والعودة للاقطاع والرأسمالية في حين ان مصر الحديثة الدولة العميقة الدولة الوطنية التي اسسها عبد الناصر هي كانت القلعة الصلبة التي واجهت وما زالت تواجه كل المؤامرات التي تستهدفها وما صاحب ما يسمى الربيع العربي وتفشي الارهاب في المنطقة ان تستهدف السلم الاجتماعي لمصر وتستهدف اقتصادها واراضيها هي تلك الدولة التي اسستها ثورة يوليو بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ومن المؤسف ان نقراء في مذكرات الدبلوماسي القدير الامين العام السابق ووزير خارجية لمصر سابقا ما يشوه نزاهة عبد الناصر بانه كان يستقدم غذاء له من سويسرا ...!! عبد الناصر التي ابتعدت حياته اليومية عن البذخ وما افاد من مقربين له انه طلب قرض مصرفي للايفاء بالتزاماته في احدى المناسبات وشهادة المفكر والدبلوماسي القدير مصطفى الفقي بما يضحد ما ذكر في مذكرات عمرو موسى .