يحاول كل طرف من أطراف الانقسام ان يحول هزيمته في اتفاق المصالحة المنتظر الى منتصر، مع ان المتتصر منهم ومنا مهزوم، وهم يدركون ان المصالحة تمت تحت ضغط احتياجاتهم ومصالهحم وان سحقهم مطروح على طاولة أطراف دولية واقليمية خاصة حركة حماس المطلوب رأسها من أطراف عدة خاصة اسرائيل، بعد ان تخلى عنها حلفاؤها قطر وتركيا المنشغلتان بهمومها. لم يحاول الطرفان الإقرار بالهزيمة ويأسهم وعدم قدرتهما على تحقيق اي من أهدافهما وإفرازات الانقسام الكارثية وأنهما وصلا لطريق مسدود ولا سبيل الا الشراكة السياسية الحقيقية، والاعتراف علنا ان الهزيمة طالت الكل الفلسطيني وقضيتهم، ولم يعد يعنيهم الاعتذار للشعب الفلسطيني وإجراء مراجعات نقدية للتجربة الفاشلة والمأساوية والتأسيس لمرحلة حديدة واعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وبناء منظمة التحرير ومؤسساتها.
الجميع بات يدرك قدراته وإمكاناته ونقاط ضعفه، وان هناك متغيرات متسارعة تجري من حولنا وان إسرائيل لديها القدرة على التأثير في مجريات الأمور، وما كان لوفد الحكومة المكون من نحو ٤٥٠ شخصية من جميع الوزارات والهيئات الحكومية والأمنية، وهذا الشكل الاحتفالي ان يتم السماح له الدخول لغزة من دون موافقة اسرائيل، ومنحهم تصاريح حتى ان المرافقين الامنيين سيدخلوا عبر معبر إيرز/ بيت حانون بأسلحتهم، وهذا دلالة من الدلالات على رضا اسرائيل وموافقتها على المصالحة. وصل الامر بالناس ان يصلوا لليقين بالمصالحة وانها أصبحت حقيقة والمطلوب سرعة إنجازها باي ثمن ومن دون حتى الطلب من طرفي الانقسام تقديم اي اعتذار، او حتى إجراء مراجعات نقدية للعشر سنوات الماضية او القرارات التي اتخذت في الأشهر الاخيرة او حل ازمة الموظفين في حكومة حماس وينتظروا عودة الحكومة وإتمام المصالحة باي شكل من الإشكال. وأخذ الناس يتغنون بالمصالحة وكأن الهدف عودة غزة لحضن الشرعية وبتصريحات قائد حماس يحيى السنوار الحماسية والعاطفية والمفاجآت التي وعد بها، والدعاء له وكأن السنوار قادم من عالم اخر ويقرر وحده في مصير حركته وشعبه.
الحكومة قادمة لاستلام المقرات والوزارات ولا عصى سحرية لها مع ان الاجتماع بروتوكولي ولن يصدر عنها قرارات فورية وجوهرية بالتراجع عن العقوبات من خصومات على الرواتب او التقاعد المبكر او تقليص كميات الكهرباء والتحويلات الطبية.
الحكومة لن تبحث في أي قضية من قضايا الخلاف والانقسام بين حركتي فتح و حماس وستُحال هذه القضايا على الاجتماع الثنائي الذي ستعقده قيادتا الحركتين في القاهرة بعد أسبوع من اجتماع الحكومة في غزة وتسلمها مهماتها، وتوفير الضمانات التي تعهدت توفيرها للطرفين أثناء حوارات القاهرة.
وفي القاهرة ستركز قيادة الحركتين البحث في آلية تنفيذ القضايا الخمس، التي تضمنها اتفاق القاهرة عام 2011، وهي إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل حكومة جديدة، والأمن، وتنظيم الانتخابات، والمصالحة المجتمعية.
الأهم هو الإرادة الحقيقية والقناعة بالمصالحة القائمة على الشراكة الحقيقية فما يقال على وسائل الاعلام وهذه البهجة والفرح الغامر من المواطنين وبعض المسؤولين ونواياهم الجدية بإتمام المصالحة هو عكس الواقع والهزيمة المريرة التي مني بها الفلسطينيين بصناعتهم وهم غير معترفين بذلك. الحكومة اداة في يد الرئيس محمود عباس وشروطه الجديدة لإتمام المصالحة واثبات حماس جدارتها وانه لا عودة عن العقوبات بسرعة ويجب الانتظار ومشاهدة ما ستقوم به حماس، كذلك تصريحات المسؤولين الفتحاويين ورئيس الوزراء عن قدوم الحكومة لغزة واستلامها مقاليد الأمور انها تصريحات تعبر عن انتصار طرف على طرف اخر. وكأن غزة أعلنت استسلامها وهي مجرد منطقة جغرافية عادت لحضن الشرعية والتي لم تعد تمتلك اي جهة شرعية، وان الحكومة ستعقد احتماعها في مدينة الخليل او نابلس. وان غزة بحماسها وفتحها الغزاوية وفصائلها المختلفة تحت اختبار الجدارة. نحن تحت المجهر واختبار حسن النوايا، ولهفة الناس على إنهاء مأساتهم باي ثمن وكل طرف يعتبر نفسه منتصر، ولم يقدموا لنا جردة حساب عن عقد من الزمن دفعنا خلالها أثمان غالية من أعمارنا وحقوقنا وإنسانيتنا وكرامتنا.
هذه الاحتفالية وما نسمعه ونقرأ عنه لا يبشر بخير ولهجة المنتصر.