07 حزيران 2015
للمرة الثانية خلال فترة قصيرة، يلمح البيت الابيض الاميركي، ان الولايات المتحدة، لن تستخدم حق النقض «الفيتو» في مجلس الامن، لصالح اسرائيل بصورة تلقائية، كما فعلت دائما طوال العقود الماضية، عندما استخدمت هذا الحق بشكل دائم، بصورة اتوماتيكية، ضد اي قرار دولي ينال من اسرائيل ويدين جرائمها، ظل «الفيتو» الاميركي سيفاً مسلطاً على المجموعة الدولية بشكل عام، والقضايا العربية والفلسطينية على وجه الخصوص، كلما كان هناك مشروع مقدم الى مجلس الامن، يفضح اسرائيل ويدين جرائمها المتوالية، وما يشكله هذا المقترح المتكرر من قبل واشنطن حول هذه المسألة، انما هو اعتراف لا اوضح، بأن واشنطن استخدمت هذا الحق، على وجه ينال من العدالة الدولية ويشكل انحيازا سافرا ضد الحق والعدل.
يثير هذا التصريح، المتكرر، العديد من التساؤلات، فيما اذا كانت واشنطن باتت تشعر بحرج متزايد نتيجة لوقوفها السافر دعما للارهاب الاسرائيلي، وفيما اذا كانت اميركا، حقا، ستعيد النظر باوجه استخدام هذا الحق، عندما يتعلق الامر باسرائيل، ام ان هذا التصريح، مجرد اداة من ادوات الضغط، على ضوء توتر العلاقات بين البيت الابيض والادارة الاسرائيلية برئاسة نتنياهو؟!
وللتذكير، ففي الوقت الفاصل بين التصريحين الاميركيين حول هذه المسألة مارست واشنطن المزيد من الضغوط على باريس، كي تؤجل هذه الاخيرة، التوجه الى مجلس الامن بمشروع قرار ينطوي على اجبار اسرائيل على الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة، وبالفعل رضخت فرنسا لهذه الضغوط، مبررة ذلك بالانشغال حاليا بالملف الايراني، الامر الذي يشير الى ان واشنطن، رغم تصريحها بشأن حرجها من المواقف الاسرائيلية واعادة النظر باستخدام «الفيتو» الا انها ما تزال، على سياستها بدعم اسرائيل، وكل ما تفعله هو انقاذها من براثن اي قرار من الممكن ان يصدر عن مجلس الامن، والضغط الاميركي، على فرنسا بهذا الصدد، محاولة للتهرب من الاحراج الذي ستقع تحت طائلته، لو ان فرنسا اقدمت فعلا على التقدم بمشروعها الى مجلس الامن، واضطرار اميركا، بطبيعة الحال، التخلي عن مضمون تصريحها، والوقوف الى جانب اسرائيل باستخدام حق النقض «الفيتو» ضد المشروع الفرنسي، واستجابة باريس لهذه الضغوط وفرت على واشنطن خضوعها للامتحان والاختبار، حول صدقيتها بمضمون تصريحاتها.
مع ذلك، لا يجب التغاضي عن اهمية التصريح الاميركي المشار اليه، اذ انه يمنح المعارضة الاسرائيلية سلاحا بالغ الاهمية، سيتعلق باتهام موضوعي، لحكومة نتنياهو بانه يعرض امن اسرائيل للخطر، بينما تؤدي سياسته التوتيرية مع البيت الابيض، الى دفع الحليف الاستراتيجي الوحيد الموثوق، للتخلي عن معارك اسرائيل السياسية، وتركها وحدها عرضة لمزيد من الحصار السياسي والعزلة الدولية، فيما اسرائيل تخسر المزيد من الحلفاء(!) فان دولة فلسطين وفي نفس الوقت تكسب العديد من الاعترافات والتأييد من قبل الرأي العام الاوروبي، من خلال تصويت برلمانات اساسية لصالح رفع حكومات اوروبا للاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.
ويبدو للوهلة الاولى ان التصريح الاميركي حول استخدام حق النقض، يأتي في اطار التوترات المتزايدة بين البيت الابيض وادارة نتنياهو - كما سبق اشرنا - غير ان هناك بعض المؤشرات التي تشير الى ان هذا التصريح، يعود، ولو جزئياً ، الى متغيرات ذات اهمية لدى الرأي العام الاميركي تجاه اسرائيل، خاصة اثر بعض المواقف التي اتخذتها بعض الجامعات ومراكز الابحاث الاميركية، بمقاطعة نظيراتها في اسرائيل، خاصة تلك الجامعة الرسمية التي اقامتها اسرائيل في احدى مستوطنات الضفة الغربية، غير ان اهم مؤشر في هذا السياق، ان تيارا داخل الحزب الديمقراطي بات يسهم علنا في انشطة BDS حركة المقاطعة الدولية لاسرائيل التي تعتبر اكبر مصدر قلق لاسرائيل نظرا لسعي هذه الحركة، بشكل معلن، لنزع الشرعية الدولية عن الكيان الاسرائيلي، هذا التيار داخل الحزب الديمقراطي، اخذ يتعاطى بنشاط مع جهود هذه الحركة، ما تخشاه اسرائيل تزايد هذا التيار، وتأثيره على الحملة الانتخابية الرئاسية الاميركية، اذ قد يضطر المرشح الديمقراطي، الى تبني شعارات هذا التيار، لكي يفوز بترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي.
ان ما اثاره تصريح رئيس شركة «اورانج» من القاهرة، حول وقف عمل الشركة في اسرائيل، من جدل حول المقاطعة، ورغم تراجع رئيس الشركة عن تصريحاته وتفسيرها باعتبارها ذات ابعاد اقتصادية تجارية بحتة، مع ذلك، فإن نجاح الحملة المصرية لمقاطعة شركة «موبينيل» قي مصر، الشريك لشركة بارتنر الاسرائيلية، التي تدعم وحدتين عسكريتين، في الجيش الاسرائيلي وتأثير هذه الحملة على مقاطعة الشركة الأم، اورانج، للشريك الاسرائيلي، يعتبر انتصاراً باهرا لهذه الحركة المصرية العربية التي قادها المناضل حمدين صباحي، وهي نموذج، لما يمكن العمل به، لمقاطعة اوسع، على النطاق العربي، خاصة بعد دعوات لم تثمر بمقاطعة شركة «كاتربلر» التي تقوم جرافاتها بهدم بيوت ومؤسسات الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية المحتلة.