يحيى السنوار، الرجل الذي ظهر فجأة على مسرح الأحداث، ليس في فلسطين فقط، وإنما أيضاً على مستوى الإقليم العربي، يُثير، كشخص وقائد، العديد من التساؤلات المشروعة، فالرجل الذي أمضى في السجن أكثر من عقدين من السنين، والذي لا يحب الأضواء، والذي لا يتميز بقدرته على مخاطبة الجماهير، الذي يرتدي ثياباً بسيطة وعادية، والذي لا يرغب بأن تحف به الحراسات أو المرافقين، يقدم صورة جديرة بالدراسة والتدقيق، إذ أن هذا الرجل يبدو قوياً وممسكاً بكل الخيوط أو معظمها، وأثبت قدرته على الحسم والحزم واتخاذ القرارات، ثم إنه تعرض وما يزال لانتقادات عنيفة من داخل البيت.
برأيي، إن الرجل الذي بدأ حياته النضالية بتأسيس جهاز أمني تحت اسم "تنظيم مجد" ما يزال بذات العقلية، يعمل دون ضجيج أو استعراض، عقلية الرجل عقلية حذرة ومتوجسة وكثيرة الحسابات، ولكنها في لحظة من اللحظات تكون قادرة على أن تقرر.
وقبل أن نذهب إلى التفاصيل لابد من القول إن صانع القرار – أياً كان – إنما يصدر عن شخصية ومقوماتها ومكوناتها ومصادر التأثير فيها، وفي حالتنا فإن يحيى السنوار، الذي عاش طيلة الوقت في الظل، يستمد قوته من شبكة علاقاته التي نسجها مع أبناء التنظيم الذي أسسه قبل ثلاثين عاماً، ومن الذخيرة التي كونها لدى أبناء الحركة، ومن مسيرة حياة عكست ذلك الانطباق القوي بين الفكرة والممارسة، كل ذلك، جعل يحيى السنوار يأتي على قدرٍ عالٍ، أقصد، لحظة المصالحة الفلسطينية، حيث كان له القدرة والشجاعة على أن يتصرف ويصرح بما قام به على الملأ، حل اللجنة الإدارية، وقال إنه سيقوم بكل ما من شأنه أن يُنجح هذه المصالحة.
ونعتقد أن هذا الرجل يستطيع أن يذهب بعيداً في روايته وجرأته، وهو مؤهل لذلك، فهو لم يكن وقت الانقلاب، ولم يكن "نجماً" في السنوات الطويلة والقاسية التي شهدها شعبنا من عام 2006 وحتى اليوم، وهو أيضاً لم يوقع على أية ورقة مصالحة، ولم يفاوض أحداً، في الدوحة أو مكة أو القاهرة، هو لم يفعل ذلك، بل ظهر في اللحظة التي بدأت فيها حماس بمراجعة حساباتها وتحالفاتها وتجربتها في حمل السلاح أو في التفاوض.
اكتشفت حماس أن لا فروق كبيرة بين برنامجها السياسي وبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية، وأن مواقف الحركة ومنذ العام 1995 وحتى يومنا هذا، قدمت حماس كثيراً من الإشارات التي تظهر رغبتها في التفاوض، وقبولها بما قبلت به منظمة التحرير الفلسطينية على مراحل.
اكتشفت حماس أنها لا تستطيع أن تعاد ي السلطة الوطنية ودول الإقليم، ومن ثم بعض أطراف المجتمع الدولي، واكتشفت أنها لا تستطيع أن تدير ثورة وأن تدير "دولة" بنفس اللحظة، وأنها لا تستطيع أن تقيم علاقاتها حسب "الايدلوجيا" دون أن يكون هناك "خدمات" عليها أن تؤديها.
لهذا كله، استدارت حماس استدارتها الكبرى، من خلال تغيير تحالفاتها، والآن، وفي خضم هذا كله، يظهر السنوار، كتعبير عن المرحلة كلها، مرحلة المرونة الناجعة، والبراغماتية التي تؤدي إلى الحفاظ على الرأس من جهة، والانصياع لقواعد اللعبة الدولية من جهة أخرى.
السنوار، وعلى خلفية هذا كله، بعقليته الواقعية، وكارزماتيته داخل حركته، وقراءته الدقيقة والباردة للتحديات الراهنة والمقبلة، يستطيع أن يقود حماس بأمان إلى المصالحة، وأن يقودها إلى التسويات داخل البيت الفلسطيني الواحد، ليمنع تدخل الآخرين أو عبثهم أو إملاءاتهم.
وهنا أتجرأ أكثر وأقول، بأن حماس العقائدية، والتي فشلت في حكم قطاع غزة، تحتاج لرجل من طراز جديد، لقائد لديه القدرة على أخذ القرار الصائب في الوقت الصحيح، ليجنب حركته وشعبه كل الهزّات، ويذهب تجاه الوطنية الفلسطينية، ضمن نظامها السياسي الذي يتشكل عبر منظمة التحرير الفلسطينية.
عندما نقول هذا، فإنما نقوله لنتفادى أية انقسامات أخرى، أو أية انهيارات للمصالحة، وحتى يتم تنفيذ المصالحة كما يجب أن تُنفذ، السنوار، لم يعرف الفنادق ولا الطائرات ولا اللقاءات مع الزعماء الإقليميين أو العالميين، هذا الرجل ابن مخيم حقيقي، يفهم لغة أهله وشعبه، وبهذا، فهو المؤهل ليقود حركته إلى صياغة مستقبل جديد لها بالتعاون والمشاركة الحقيقية مع باقي فصائل ومكونات هذا الشعب العظيم، إنها دعوة إلى شريك لأن يمارس شراكة حقيقية، لأن المعارضة الجيدة هي موقف وطني جيد أيضاً.
هذا ما يتمناه كل وطني شريف من أبو إبراهيم، بأن ينقل حركته من موقع حركة تحلم بالوراثة، إلى حركة متواضعة تبحث عن الشراكة الوطنية.
ونعتقد بأن هذا الشريك بات جاهزاً لكي يحقق هذا الإنجاز الوحدوي، بصدر رحب وبتأني وبتفهم للصعوبات، لذا قال الرئيس أبو مازن، نحن لسنا مستعجلين، وهذه الجملة المفتاح، حيث أن الانقسام استمر عشر سنوات، فلن ننجز المصالحة ونحل كافة الأزمات بشهر، فمزيداً من سعة الصدر والصبر، سننجز حلم المصالحة.
أُخاطبك أبا إبراهيم وأُطمئنك بأن القيادة الفلسطينية تقدر لك هذا، وصبرت عشر سنوات على هذا الانقسام لعل أن تعود حركة حماس، حركة تعمل ضمن الشرعية وبالشراكة مع الكل الفلسطيني وضمن البيت الفلسطيني، كي نحقق سوياً طموحات وأحلام شعبنا في الحرية والاستقلال.
تحية لكل يد طاهرة تمتد بالمصالحة، وتعمل بصدق لتصليب الموقف الوطني، وهذه دعوة للكل الفلسطيني لكي يدعم من فتح صفحة جديدة باتجاه المصالحة الفلسطينية.