فرصة المصالحة بكلّ صراحة

د. عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

بات بحكم المؤكد أن عجلة المصالحة قد دارت فعلاً، وأن الكثير من العقبات والعراقيل والشروط والمقتضيات قد تم فعلاً تجاوزها.
الدور المصري لم يعد بحاجة إلى إثبات، والمتابعة المثابرة تتوجت بقدوم الرجل الأول في جهاز المخابرات المصرية، وربما يكون هذا المجيء بمثابة إيذان بتسارع هذه العجلة.
آليات العمل القادمة ليست ضبابية كما كانت عليه الأمور في المصالحات السابقة، والسلاسة التي تمت بها زيارة الحكومة للقطاع وعقدها لاجتماع هناك كلها والكثير الكثير غيرها مؤشرات على أجواء إيجابية ومشجعة وقد تنطوي على تدشين مرحلة جديدة.
أما اللغة والمفردات فقد تغيرت واختفت المناكفات، وأصبحت اللغة المواربة والملتوية خلفنا.
أما قادة الإعلام والكتّاب وصانعو الرأي العام فقد التزموا جميعاً، وأكاد اقول بدون أي استثناء، عدم استخدام لهجات الإثارة والتبجيل والاصطياد في المياه العكرة.
كل هذا إيجابي وعلى الجميع أن يحرص على استمراره، وعلى الجميع أن يعرف كيف يحافظ عليه لأن البناء عليه أصبح ممكناً، وفي كثير من الأحيان أصبحنا أمام شعور كبير بالمسؤولية تجاه هذا الحدث الكبير.
حتى ردود الفعل الغربية هي إيجابية بالعموم، والتفوهات الإسرائيلية ليست سوى المتوقعة والمعهودة، وليس هناك من مؤشرات خاصة أن أحداً في العالم العربي يمكن له أن يعبث بالنتائج التي تحققت حتى الآن. بل وأكثر من ذلك تستطيع حركة حماس بموجب ما تم إنجازه حتى الآن أن تعتبر بأنها ستخرج رابحة من هذه المصالحة لأنها ـ أي المصالحة ـ  ستكون قد أخرجتها من أكبر أزمة كانت تعاني منها، بل ويمكن القول إن هذه المصالحة بالذات ستجعل من انخراط حركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني انخراطاً سلساً وغير مفتعل بل وطبيعياً وهذا هو المطلوب.
أما الرئاسة والحكومة والرئيس فإن بإمكانهم أن يكونوا على يقين بأن الشعب الفلسطيني في كل مكان، وفي قطاع غزة تحديداً ما زال يدعم الشرعية الوطنية بل ومتمسكاً بها ويراهن عليها وعلى دورها وعلى سياساتها.
خروج الناس بهذه الكثافة لاستقبال الحمد الله هو مؤشر على توقهم للوحدة وتوقهم لإنهاء الانقسام وعلى تمسكهم بالعمل الجاد لإنهاء الحصار وعودتهم إلى الشرعية وتحت ولايتها وليس أية ولاية أخرى.
كل هذا صحيح ومهم ويجب أن نعرف كيف نحميه ونرعاه ونطوره ولكن....!!
بصراحة تامة هناك معارضة حقيقية وقادرة ومؤثرة داخل حركة حماس وترى أن هذه «الاستدارة» في مسار الحركة، يعتبرها البعض في غاية السوء والبعض الآخر يعتبرها مؤشراً على انزلاق حركة حماس في مسارات التسوية وتهيئة لدور «انخراطي» قادم لا محالة.
ويعرف الجميع أن السيد يحيى السنوار قام بعملية جريئة حاول من خلالها اقتلاع جذور الفساد والامتيازات وكل منظومات الانتفاع التي رافقت أكثر من عشر سنوات من التحكم الانفرادي لحماس بقطاع غزة.
إذن، سيكون هناك معارضة ليست بسيطة وليست عرضية، وليست سياسية فقط.
حتى أن هذه المعارضة بدأت تعبّر عن نفسها في الخارج، وهناك شخصيات سياسية وفكرية محسوبة على حماس «الخارج» تجاهر بصورة مباغتة بمعارضتها للمصالحة وشرعت بالحديث عن مثالبها و»أخطارها» على مستقبل الحركة.
صحيح أن الأهم هو الموقف في القطاع، لكن الموقف في القطاع ليس كله تحت «الراية» وقد يكون هناك من الاعتراضات ما هو أكبر من القدرة على المجاهرة به اليوم. بالمقابل هناك داخل حركة حماس من يرفض التفريق بين سلاح المقاومة وسلاح الحكومة.
سلاح المقاومة كما هو معروف ملف مؤجل، أما سلاح الحكومة فهو عاجل وغير قابل للتأجيل.
بدون أن يكون للحكومة سلطة وفق القانون وتكون الحكومة هي الجهة الوحيدة التي «تحتكر» ملكية واستخدام السلاح فإن هذا سيعني بقاء الحالة السابقة على الانقلاب، أي ازدواجية السلطة.
لا يجوز أن نعتبر بأننا عبرنا الجسر أو الطريق إلى المصالحة وإنهاء الانقسام دون أن تكون هذه المسائل قد سُوّيت بالكامل وبوضوح وبآليات محدّدة.
التدرجية مهمة وقد تكون ضرورية ولكن التدرجية يمكن أن تكون محطات للتنصل إذا لم تترافق مع آليات عمل ملزمة وواضحة.
لا نريد التركيز على المعيقات ولكننا لا نقبل الأمور على سبيل المُسلَّمات.
بالمقابل فإن حركة فتح مطالبة فور انتهاء الجولات القادمة في القاهرة، وكذلك الحكومة بتقديم حلول وبرامج تنموية وإغاثية للقطاع، بحيث يلمس المواطن في القطاع أن شيئاً قد تغيّر وأشياء أخرى كثيرة في طريقها إلى التغيير.
حتى الإجراءات الأخيرة يجب أن نسارع إلى الانتهاء منها فور التوافق في الاجتماعات القادمة في القاهرة أو بعضها على الأقلّ، لأن هذا الأمر بحدّ ذاته هام وضروري لإشاعة أجواء الأمل وإعادة الثقة بكل ما حصل.