وأخيرا نأمل ان تكون الستارة السميكة قد اسدلت بالكامل على آخر مشهد من مسرحية مأساة الانقسام الأسود الذي أساء لنضال وتاريخ شعب فلسطين وشوه الصورة الكفاحية لحركة المقاومة الفلسطينية. وعلى قاعدة ان يأتي الخير او الفرج أو إنهاء الانقسام متأخرا عشر سنوات أفضل من ألا يأتي او يتم، فان حالنا كحال شعب فلسطين في الوطن والشتات لا نملك إزاء بدء عودة قطاع غزة إلى الحضن الفلسطيني وخروجه من شرنقة الانقسام البغيض الا ان نؤيده. والسؤال الذي يراود الشارع الفلسطيني ويتردد على كل شفاه هو: لماذا استمر الانقسام عقد كامل وما الذي استجد ودفع بطرفي الانقسام تحديدا إلى اتخاذ قرارات سريعة باتجاه وضع حد له؟ وبدون الدخول في التفاصيل الكثيرة وما جرى تحت الطاولات وعبر الاتصالات السرية بما فيها الضغوط الدولية في مقدمتها العربية فإنه يمكن إرجاع أسباب إنهاء الانقسام لثلاث مجموعات رئيسة هي:
الاولى: أن كلا الحركتين وصلتا إلى مأزق حقيقي ومسدود شعبيا وسياسيا وامنيا واقتصاديا، فحركة فتح خسرت قواعدها ونخر الانشقاق جسدها الهزيل ولم تعد قادرة على قيادة العمل الوطني والتحرري كما كان الوضع سائدا في عهد ياسر عرفات. فحركة فتح باتت تعاني من أزمات تكوينية عدة وفي مقدمتها القيادة وانتشار الفساد وضعف تأثيرها على الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية تحديدا وليس آخرها أسلوب تعاطي قيادة فتح مع مجمل الأوضاع التي تحيط بالشعب الفلسطيني واولها استمرار التنسيق الأمني وعدم مصارحة شعبها وقول الحقيقة له، مثل حيثيات عدم عرض تقرير جولد ستون بشأن الجرائم البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال ضد شعب فلسطين في القطاع والضفة على مجلس الامن الدولي وعدم الاستفادة من القرار الاستشاري الهام وغير المكرر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي فيما يتعلق بجريمة الجدار العنصري وعدم توقيع الرئيس حتى كتابة هذا المقال على قرار احالة ملف الاستيطان على المحكمة الجنائية الدولية على الرغم من قرار اللجنة التنفيذية الذي اتخذ في شهر أيلول الماضي . فحتى اللحظة لم تقدم قيادة حركة فتح سببا أو حيثية واحدة مقنعة تبرر فيه ترددها وتكاسلها وتقاعسها بعدم طرح كلا التقريرين اللذين كتبا بماء الذهب الصافي النقي وتم تقديمهما للفلسطينيين على اطباق من الماس والفيروز والفرقد، لقد فرطًت حركة فتح بكلا التقريرين والحقت بهما عدم توقيع قرار إحالة ملف الاستيطان. اما بالنسبة لحركة حماس فقد بلغت ممارساتها وسلوكها حد اليأس والعجز والبؤس وانسداد الأفق كليا امامها ووصل حكمها الى حافة الهاوية والسقوط وفشلت في توفير الحد الادنى من متطلبات المعيشة كالكهرباء والماء والمستلزمات الحياتية الأخرى. لقد بلغ مأزق حماس حدا لم يعد بإمكانها توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة للشعب الفلسطيني في القطاع وخسرت قاعدتها الشعبية بشكل ملموس هناك وما خروج الجماهير وبكثافة في ذكرى تأسيس حركة فتح قبل نحو ثلاثة أعوام واستقبال الالاف لرامي الحمد الله وفريقه الوزاري الا مثالا آخر على تآكل شعبيتها وملل بل وكره الناس من حكمها القائم على القوة والبطش والاعتقال وقمع الحريات. بالإضافة إلى أنها أدخلت شعب فلسطين في سياسة لعبة المحاور وخاصة لجهة العلاقة مع حركة الاخوان المسلمين مما تسبب في تصنيفها ضمن الجماعات الإرهابية؟ لقد أدى انفراد واستثار حركة حماس بحكم قطاع غزة إلى بروز التناقضات بين مفهوم المقاومة وإدارة الحكم السلطوي المبني على اتفاقيات أوسلوا بما في ذلك التنسيق مع سلطات الاحتلال سواء لجهة الخروج والدخول أو توفير السلع والبضائع من خلال المعابر التي تسيطر عليها سلطات الاحتلال. ومن المفيد في هذا السياق الكشف عن نقاش حصل بين خالد مشعل وشخصية فلسطينية معروفة تترأس أحد أبرز مراكز البحوث في البيرة قبل نحو عامين حين قال موجها كلامه لخالد مشعل: لماذا سيطرتم على السلطة في القطاع، فأجاب لكي نحمي المقاومة وردت الشخصية الفلسطينية وهل حميتم المقاومة فعلا!!!! صمت أبا الوليد. لقد ساهمت حركة حماس بإيصال المقاومة الوطنية المشروعة لشعب فلسطين إلى مأزق حقيقي وليس فقط إلى تدهور العلاقة مع الدول العربية.
اما المجموعة الثانية: التي تقف وراء القرار بإنهاء الانقسام من كلا الحركتين وخاصة حماس بعد عناد عقد من الزمان فهي التطورات التي تجري في الوطن العربي وخاصة مصر وسوريا والأزمة الخليجية التي جاءت جميعها على حساب الحركتين. فالبيئة السياسية لم تعد صديقة لهما فحسب وانما عدائية في أكثر من دولة. فالعديد من الدول العربية وخاصة النفطية منها احتضنت بعض القيادات المفصولة من حركة فتح وتقوم بتمويلها ودعمها على حساب القيادة الرسمية وبات لها نفوذ في الضفة والقطاع. اما فيما يتعلق بحركة حماس فقد بات تواجدها غير مرغوب به في اغلبية الدول العربية وأصبحت تشكل عبئا أمنيا وسياسيا وضغطا دوليا حتى على تركيا صديقتهم. من هنا جاءت التغييرات الأخيرة في قيادة حماس لتساهم جزئيا في قرار إنهاء الانقسام وخاصة بعد ضعف تأثير قطر إقليميا.
اما المجموعة الثالثة: فيقف على رأسها التدخل المصري والذي جاء متأخرا جدا. فموقف القيادة المصرية من الحركتين بات محايدا تجاه فتح وغير ودي تجاه حماس بل هي أقرب إلى القيادي المفصول الذي يرتبط تمويليا بإحدى أبرز الدول النفطية الصديقة والحليفة جدا لمصر. كما ان الأخيرة تتحكم بالمعبر الوحيد غير المسيطر عليه من قبل الاحتلال مما يمكنها من التأثير بقوة على كلا الحركتين وخاصة حماس مما يجعلها توافق بل وترحب بكل الخطوات المصرية بما فيها اقتراح تبادل الأسرى. فالثقل والدور المصري باتجاه إنهاء الانقسام من شأنه ان يعيد لها دورها القيادي الذي فقدته في السنوات الأخيرة، ويضعف من التأثيرين التركي والقطري على الوضع الفلسطيني وخاصة في القطاع مما يساعد مصر في الإمساك مجددا بالورقة الفلسطينية بعدما ان كانت مشاعا بين الدول العربية والإقليمية، أي ورقة بيد من يدفع ويمول أكثر. المصالحة ستسير قدما بحكم التدخل المصري المباشر والمأزق الحقيقي الذي بلغته كل من فتح وحماس والتحولات الإقليمية التي تجري لغير صالح الحركتين معا. فتح وحماس مدينتان بالاعتذار للشعب الفلسطيني على كل ما فعلتاه من أخطاء كبيرة وفادحة بحق النضال الوطني الفلسطيني وهما وحدهما المسؤولتان عن استمرار الانقسام عقدا كاملا بلا مبرر وبلا سبب. هما المسؤولتان الرئيستان عما آل اليه شعب فلسطين وهما اللتان تتحملان كل التبعات التي نجمت عن استفرادهما في إدارة سلطتي الحكم الذاتي في الضفة والقطاع خلال العقد الماضي وهما المسؤولتان أيضا عن المحاور التي انتهجتها كل منهما تجاه الدول العربية والاقليمية. وإذا كنا نرحب بإنهاء الانقسام ونؤيده إلا ان هذا لا يعني نسيان ما فعلته الحركتين ضد النضال الوطني الفلسطيني طيلة العقد الماضي. نرحب بإنهاء الانقسام ولكننا لن نصفق له ابدا، واليوم الذي سيحاسب فيه شعب فلسطين الحركتين لم يعد بعيدا. شعب فلسطين ليس كرة قدم تتقاذفها فتح وحماس. تقسمان فلسطين متى ترغبان وتنهيانه متى تريدان. وفي الختام هل يمكن لحركة حماس ان تبين لشعبها ماذا استفادت أو حققت من وراء الانقسام!! ولماذا قامت به؟ ولماذا كان ولائها للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بأكثر منه لفلسطين!! كما يتعين على حركة فتح أن تعلن لشعبها عن الأسباب الوجيهة لاستمرار استئثارها بالسلطة في الضفة الغربية؟ ولماذا فرطًت بتقرير جولد ستون والقرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية وعدم توقيع قرار إحالة ملف الاستيطان الى المحكمة الجنائية الدولية حتى تاريخه رغم قرارات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي ولماذا ترفض حركة فتح الانصياع لقرارات الشرعية الفلسطينية؟ الحركتان مدينتان بالاعتذار للشعب الفلسطيني عما فعلتاه من أخطاء وخطايا وبعدها يجب طرح الموضوع برمته على الشعب الفلسطيني ليقول كلمته الاخيرة.