بداية لا بد من القول ان على الكل الوطني ان يتسامى فوق جروح الماضي، ومن العيب أن يفتح أيّ من "فتح" أو "حماس" او أي فصيل هذا الجروح، وفي مقدمتها الأسباب التي أدت الى هذا الإنقسام المأساوي بين "حركتي "فتح" و"حماس"، الفصيلين اللذين يشكلان العمود الفقري للوحدة الوطنية، في الوقت الذي لاحت فيه بشائر إستعادة هذه الوحدة.
لذلك على الطرفين تنفيذ جميع البنود التي وقعا عليها في اتفاق القاهرة روحا ونصا بدون أي تحريف.
ومن الواضح أن هناك أمور حياتية ملحّة يجب أن تنفذها السلطة الوطنية الشرعية لجميع أهلنا في قطاع غزة، ان كانوا مستقلين أو فتحاويين أو حمساويين، أو من باقي الفصائل، وفي مقدمتها ما يتعلق بالكهرباء والماء والدواء وتأمين جميع مستلزمات المستشفيات بغض النظر عن الانتماء الفصائلي، خاصة وأن هذه المرافق تخدم عموم أهلنا في القطاع.
كما أن من الواضح أن على "حماس" أن توافق على ما اتفق عليه بالسابق بالنسبة لفتح معبر رفح ، أي ان الذي سيشرف على هذا المعبر هو السلطة الشرعية الفلسطينية وسلطة مصرية وأوروبية بموجب التزامات دولية موقعة، وعدم طرح اي شروط جديدة.
الاستقبال الحاشد من قبل أهلنا في غزة لحكومة الوفاق، والآمال العريضة المعلقة على التطورات الأخيرة، يعني فيما يعنيه أن أهلنا في قطاع غزة يتأملون خيراً من القيادة ، وليس من المنطق ان ينتظر الشعب اجتماعات القاهرة كي يبدأ بالشعور بتغييرات ملموسة، ولو القليل حول جدوى وفوائد انهاء الانقسام.
ومن الجدير الاشارة هنا الى وجود عقبة حقيقية يجب أن تتجاوزها جميع الفصائل للوصول الى الوحدة الوطنية متمثلة بعناد االاحتلال وحليفته الكبرى أميركا التي لم نر منها حتى الآن أي حلحلة لصالح دفع عملية السلام قدماً، خصوصا، عندما نسمع نتنياهو وأعضاء حكومته يزعمون بعدم وجود «شريك سلام» أو إتهام الأخ الرئيس محمود عباس بالتحريض، وينسوا بأن المستعمر القديم والجديد لم يترك شيئاً من الإرهاب إلا ومارسه منذ العام ١٩٤٧ إلى يومنا هذا، من قتل وهدم وسرقات يومية لأراضينا والاعتداءات على مقدساتنا، وإختراع قوانين إجرامية لشرعنة ما يمارسه الاحتلال.
إن صبر الشعب الفلسطيني الجبار يكشف كل يوم الحقيقة حول الممارسات الاسرائيلية، وهذا ما جعل العالم يعترف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وأن نسمع كل يوم اعترافاً دولياً جديداً بفلسطين، وآخر مثال على ذلك قبول دولة فلسطين عضوا في منظمة «الانتربول».
وهنا نؤكد مجدداً أن على «فتح» و «حماس» إنهاء هذا الإنقسام وألاّ يخذلا الشعب الفلسطيني بعدم استكمال الخطوات التي تحققت لأنه، لا قدر الله، إذا تعقدت الأمور مجدداً عندها ستكون الطامّة الكبرى.
هناك بعض الأمور البديهية والتي تفترض المصالحة والمصلحة الوطنية العليا ان تقبلها «حماس» وفي المقدمة ضرورة قبولها بجميع الالتزامات والاتفاقيات التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس الرمز الراحل ياسر عرفات، والرئيس الحالي محمود عباس، وهي بكل صراحة اتفاق اوسلو وما يتضمنه من إعتراف متبادل، والالتزامات الدولية الأخرى. ونحمد الله أن المنظمة أسمها منظمة التحرير، أي تحرير الأرض والشعب من الاحتلال غير الشرعي لأرضنا.
وبمجرد الإنتهاء من الانتخابات التشريعية والرئاسية، يكون الشعب الفلسطيني قد قال كلمته وقد قرر من سيحكمه ويقوده، وعلى المجلس الوطني والمجلس التشريعي القادم إتخاذ القرارات الحاسمة حول مستقبل إتفاق أوسلو وكيفية التعامل مع التحديات القادمة، سواء بسبب عدم تطبيق اسرائيل لاتفاقية أوسلو التي شهدت على توقيعها امريكا وروسيا ومن ثم جميع دول العالم، أو بسبب استمرار الاستيطان وترسيخ الاحتلال وسد الطريق أمام عملية سلام جادة، وبالتالي إجراء المراجعة الاستراتيجية اللازمة ووضع برنامج وطني ملزم لكافة القوى.
وهنا نشير الى إن مجرد قبول أي فصيل بالاشتراك في الانتخابات القادمة، فهذا يعني بإعلان المباديء والتراف المتبادل حسب إتفاقية اوسلو التي وقعت عليها منظمة التحرير، الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا.
ونعتقد أن جميع نقاط الخلاف، التي يمكن ان تبقى او تظهر، من الممكن حلها بعد الانتخابات العامة النزيهة والتي تعود عليها الشعب الفلسطيني، الذي يعشق الديمقراطية، ويؤمن بالتعددية وحقوق الانسان ويحترم صندوق الاقتراع.
لذلك على «حماس» ان تبدي المرونة اللازمة لانهاء هذا الانقسام وتتوجه الى الشعب الفلسطيني وتطرح الرؤى التي تراها مناسبة، وكذا داخل الأطر السياسية الشرعية، وان تلتزم بإرادة وقرار الكل الوطني ضمن هذه الأطر، وبذلك نبرهن للعالم أجمع بأننا شعب ديمقراطي نحترم ما يقرره الاجماع الوطني، كما ان على فتح ان تطرح رؤاها ومواقفها تحت نفس السقف وبنفس الآلية.
وواضح ان بين النقاط الهامة المطروحة الموقف من السلاح بيد القسام وفصائل المقاومة الأخرى، وهذا السلاح كان مبرر وجوده الاحتلال واستمراره، ويمكن التوصل الى صيغة وطنية عامة بشأنه تقررها القيادة المنتخبة المعبرة عن الكل الوطني بما يحفظ المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وهذا أيضاً مرتبط بالاتفاق مع حماس والفصائل بشرط ان تتجه اسرائيل نحو السلام حسب القرارات الشرعية وهي اربعة:
أولا- ان توافق اسرائيل على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧م.
ثانياً- القدس الشرقية عاصمة الدولة العتيدة.
ثالثاً- عودة اللاجئين الى بيوتهم وأملاكهم بموجب قرارات الشرعية الدولية.
رابعاً- اطلاق سراح جميع الاسرى وعودتهم الى بيوتهم.
أما الحديث عن تسليم السلاح دون اي تقدم نحو هذا السلام،واستمرار الاحتلال والاستيطان فهو غبن واجحاف بحق الفلسطينيين بامتياز.
لن نكون متشائمين أو متفائلين وكأن مواضيع الخلافات طويت أو انها جميعا على حالها، الا بعد أن نرى الدخان الأبيض يخرج من قاعة الاجتماعات التي ترعاها مصر الشقيقة.
وندعو الله أن يوفقنا جميعاً لخدمة قضيتنا المقدسة.