بين زمنين غزة بدون أريحا

التقاط.JPG
حجم الخط

 

اليوم تثبت مقولة عودة الحدث وتكرار وقائع التاريخ أو مصطلح "التاريخ يعيد نفسه" ولا أدري حتى الآن إن كانت الواقعة الأولى التي جاءت على شكل مأساة ستعيد نفسها على شكل ملهاة أم لا ؟

ستستغربون نعم من حديثي لكنه الواقع كما تخيلته بتجرد بعد فعل الزمن المر في تصرفاتنا ...

في العام 1994 وباتفاق أوسلو دخلت قوات الثورة الفلسطينية من المنفى وموظفيها إلى غزة أريحا أولا وخرج الشعب لإستقبالها بإشتياق الملهوف ولوعة عشاق الثورة الطامحين في التحرر من الإحتلال الإسرائيلي وعناق الأحبة وما تجود به نخوة الأعراب وكرم حاتم الطائي في زمن قحطه حين لم يجد ما يكرم به الضيوف إلا فخدة حصانه اليمني عملا بأصله الكريم وسارت الأيام سريعا ليكتشف حاتم وأهله أن إخوانهم الضيوف لهم ثقافة وخصائص أخرى أو بالأحرى أن حاتم وأهله هم من تغيرت ثقافتهم وخصائصهم بفعل الإحتلال حيث تبلورت لديهم خصائص الشخصية الخيرة والمصلحة العامة بفعل تحدي الإحتلال الذي وحد مشاعرهم وسلوكهم فصارت لهم ثقافة التحدي وضمير ال نحن لا ضمير ال أنا كما درج لاحقا .. حاتم وأهله في غزة بإنتفاضتهم كانت طبيعتهم فطرية سامية تعلو فوق فهم البيروقراطية والصفات الشخصية والبرستيج ونظام الحكم القادم من المنفى المعجون بكل ثقافات الجوار المرمطة ودول اللجوء وتراكيبها القاهرة التي ظهرت خصائصها على المقهورين من العائدين بمرور الزمن سريعا فكانت ثقافتهم غريبة وفواتيرهم ونثرياتهم أكبر مما تأهل له حاتم الطائي وأهله من قوة وشراسة المواجهة مع الإحتلال دون نثريات وفواتير تعلمهم السرقة والتزوير والتي كانت مبعث خوف القادمين حتى تمكنوا من المواقع والرتب فأصبح حاتم وأهله مفعول بهم لصالح القادمين الجدد متعددي مواهب الولاء للراتب والقائد والمسؤول وعبادة الروتين النفعي الذي لم يتعوده أهل غزة وتحول جزء من أهل حاتم وتساوقوا مع هؤلاء وبيروقراطيتهم وفهلوتهم وطبقوا مثل من يتزوج أمى بيصير عمي وكونوا خليطا عجيبا من فهلوة وعادات وسلوكيات أكثر من عشرين نظام عربي أذلوهم طويلا وعبدوهم الصنم أولئك القادمين بسبب كونهم مهاجرين و يعاملوهم كمواطنين من الدرجة الخامسة وأسوأ وتغير نقاء مرهقي البدنية وضعيفي الأعصاب كما كان يطلق هذا المصطلح دائما إبن حارتنا المرحوم مطلق قاعود ونتج منهم ما نتج من خليط غير مفهوم وغير متجانس الثقافة وضعيف التماسك لتبدأ رحلة النهاية لحكم الثوار الفهلويون الفشلة توجت بالإنقلاب الحمساوي أو سموها لو شئتم بعهد الاحتلال الحمساوي وها هو الزمن اليوم يعيد نفسه بالمصالحة العسيرة الآنية مع قادمين هذه المرة من محافظات الشمال رام الله كما سماها الأشاوس بمحافظات الشمال ومحافظات الجنوب ويطبل لهم مرة ثانية من يتساوق مع تلك الثقافة وبنفس الطريقة الأولى ضعيفوا البنية ومرهقوا الأعصاب والتبعية العمياء لزوم المكاسب الجديدة لينضموا إلى صف عباقرة الثورة القدماء الجدد الذين تحولوا لموظفين رفيعي القيمة والراتب والمكاسب وال في أي بي بعد أن كانوا ثوارا رفيعي البنية ورقيقي الراتب ومعدومي المكاسب ... الغريب أن لا أحد بالقطع تطرق بالكتابة أو البحث سابقا من الناحية السيكولوجية لتلك الفروق التي أحدثت الخلل الأول وأدت إلى الانقلاب أو الإحتلال الحمساوي إلا بنظرات سطحية تهتم بخلاف فتح وحماس على البرنامج ولم يقل لنا أحد منذ ذلك الوقت بأن ذاك الخليط الفهلوي الجديد من السكان والثقافة كان به خلل أو عطب إسمه " لم يعرفوننا ولم نعرفهم" أو "لم يفهموننا ولم نفهمهم" وبقينا في حالة عدم الفهم المتبادل حتى الإنقلاب وذهب الكثير منهم في رحلة جديدة ... اليوم وبعد أكثر من عشرة أعوام يتكرر ويعيد التاريخ نفسه .. القادمون هذه المرة من الشمال من رام الله على ما يبدو أيضا لن يفهمونا ولن نفهمهم فهم في حالة بيروقراطية متكرسة بالوظائف والنياشين أكثر ممن جاؤونا مع اتفاق أوسلو وهؤلاء الفهلويون الجدد يلعبون بالبيضة والحجر والمناطقية والبزنس وبينهم وبين غزة ثأر ظهر في كثير من المناحي والمحطات وإستمروا سنوات عشر يبنون ونحن يتم تدمير ما بنيناه ويسهرون ويسكرون ونحن تضرب أقدامنا ورؤسنا في الجدران من قطع الكهرباء ويقدسون التنسيق الأمني ليحافظوا على مواقعهم وتسهيلاتهم التي إقتنصوها في غياب ونسيان غزة وشبابها وقادتها ومحاربتهم عقد كامل ونحن هنا في غزة مازلنا في حالة ثورية منذ عشر سنوات حتي تحت الضغط و الاحتلال الحمساوي وتغيرت مفاهيمنا كثيرا عن الشماليين وصارت خبراتنا صادمة لهم ولغيرهم وقوتنا أكبر في تحمل الصعاب وأكبر في المواجهة بعد حروب مدمرة ثلاث ولم نعد نهتم بما يهتمون من تراتبيات فاشلة وتعبئة نضالية جوفاء هدفها المكاسب والمواقع والرتب تتساوق مع الكومبرادور المالي الخطير يساعدهم رامي ليفي والتبوزينا ومحبطي إنتفاضة القدس ولم نعد هنا نخشى بعد أن كبرت مناعتنا من شيء بسبب الحروب والقمع والتنكيل والحرمان والسجن والسجان وهم ساروا في دروب أخرى وباتوا غيرنا وقد نكون نحن الذين فشلنا في تحريرهم ليدعوا الآن أنهم حررونا من الإحتلال الحمساوي وها هم كبارهم جاءوا من رام الله ليبدأوا الرحلة المشابهة لرحلة العام 1994 ولكن هذه المرة لم يأتوا وهم فقراء بل جاءوا ليتاجروا بالغاز والممولين وسياراتهم الفارهة بدل المركبات العسكرية الصدأة حين أتوا من الجنوب من مصر ولم تعد لدي الغالبية هنا في غزة نخوة حاتم الطائي ولا حلم وحرارة إحتضان الثوار الذين لم يعودوا ثوارا بل جاءوا غزة طلاب سلطة وجاه ليخضعوها لولائهم كما يتصورون ولن يفهمونا من جديد وسيخطئون أسرع من المرة السابقة لأن الغريب هذه المرة أن هناك جديدا جوهريا حيث أصبحنا في غزة شعبين شعب حمساوي لم يكن في العام 1994 لديه قوة مسلحة ومصالح مشتركة قوية مثل ما هي الآن، وشعب وطني سيصبح ملطشة لثقافتهم الشمالية كما ظهر من أسلحتهم وملابسهم وغطرستهم ولقوات دولتهم البوليسيةّ القادمة بعسسها ليعودوا إلى حقل التجارب الغزاوي لكل الفصائليين ومدعي النضال من أجل الحرية أو من أجل الكرسي لا فرق وكأنه لا يكفينا العسس الحمساوي الذي فتك بنا والذي تداري الآن خلف الشجرة لزوم المصلحة وإقتضاء الحال وسيتكرر الحدث ويتكرر الزمن والوقائع ويعيد التاريخ نفسه وقد يأتي فعلا على شكل ملهاة هذه المرة حيث بدا أن كبارهم القادمون لا يفهموننا ولا نفهمهم من أولها وبالطبع لم نفهم أصلا الحمساويون ولم يفهموننا عشر سنوات مضت لإننا فقراء مناضلون وهم إجتمعوا واستمعوا وتغدوا مع المتقربطين والأغنياء التابعين المطبلين ومن لا يعانون ويعيشون في بحبوحة ما يؤكد على بقاء ثقافتهم القديمة قبل عقد من الزمن وقبل خروج غزة من حكمهم .. خلاصة القول ... سيعيد التاريخ نفسه علي ما يبدو مرات عديدة في حالنا وليس مرتين دون إستخلاص عبر ولا فهم لبعضنا البعض وها هي الأيام تجري حبلى ولا ندري ما تخبأه قادم الأيام والفارق الوحيد أننا في غزة بدون أريحا هذه المرة وهزى يا أريحا عقلك الحرير وخوفي الزمن القادم مع الهوا يطير