اوجه الشبه والتباين

thumbgen (34).jpg
حجم الخط

 

سأل أحد القيادات معقبا حول موضوع سلاح حركتي حماس والجهاد، فقال أين اوجه الشبه بين تجربة حزب الله والوضع في غزة، هناك في لبنان دولة مستقلة ونحن مازلنا تحت الإحتلال؟ وجاء السؤال إستنكاريا للطعن في المقاربة، من حيث المبدأ السؤال مشروع بعيدا عن خلفية السائل، كما أن عدد من قادة وممثلي حماس أثاروا الموضوع من ذات الزاوية. وتعميقا للحوار الموضوعي تدعو الضرورة تبيان اوجه الشبه والفرق بين الساحتين والنموذجين. من المؤكد هناك اوجه شبه في حال إستمر وضع سلاح حركتي حماس والجهاد وغيرهم من الفصائل خارج نطاق سيطرة الشرعية، بالإضافة لوجود تباين بين الوضعين، لجهة أن لبنان دولة مستقلة وذات سيادة بمعايير الدول القائمة مع سماتها الخاصة، في حين ان فلسطين ما زالت ترزح تحت نير الإحتلال الإسرائيلي بما في ذلك محافظاتها الجنوبية التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية في معابرها واجواءها وشواطئها.

لكن هناك تشابه بين الوضعين من حيث ان قطاع غزة يخضع لسيطرة المؤسسات الأمنية الموجودة على الأرض. وفي حال تمت المصالحة الوطنية وفق المعايير المثبتة في الورقة المصرية، وتسلمت السلطة واجهزتها الأمنية المسؤولية، فيفترض ان تصبح هي وحدها صاحبة القول الفصل في الأمن على المدن والقرى، وضمان أمن المجتمع الفلسطيني، ولا يجوز ان يكون هناك سلاح خارج سيطرتها. ووفق ما جاء في وثيقة الوفاق الوطني مايو/ أيار 2006 فإن قرار الحرب والسلم لا يقرره فصيل لوحده، بل يخضع للإجماع الوطني. كما أكدت الوثيقة على ان إعتماد اشكال النضال يتم بالتوافق بين مختلف القوى والحركات السياسية. وهذا لا يتناقض مع روح الإستقلالية النسبية لكل فصيل من الفصائل، وتقريره لما يرتأيه من خيارات سياسية او كفاحية. وعطفا على ما تقدم، فإن الضرورة الوطنية تملي خضوع اي سلاح للخيار الوطني العام، ويلتزم حملته من اي جهة حزبية بالنظام العام، ووفق برنامج الإجماع الوطني.

وهذا لا يتناقض مع خيار المقاومة. لإن المقاومة ليست شكلا كفاحيا واحدا ووحيدا، إنما هناك العديد من اشكال واساليب النضال. وحسب ما يتم التوافق بين النخب والقوى السياسية على اشكال النضال يجري الإلتزام بما تقرر. وهنا يمكن إيجاد آلية للإحتفاظ بالسلاح الموجود في أماكن آمنة دون ان يؤثر سلبا على الأمن العام في اوساط المجتمع. لاسيما وان معركة التحرر الوطني لم تنته، وإسرائيل الإستعمارية ليست معنية بخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وتعمل على تعميق خيار الإستيطان الإستعماري على الأرض الفلسطينية وخاصة في القدس العاصمة وعموم محافظات الشمال في الضفة. الأمر الذي يحتم على الفلسطينيين مجددا التوافق على العقيدة الأمنية والعسكرية، التي تحفظ قدرتهم على إستثمار السلاح في دفاعهم عن حقوقهم الوطنية عبر الميادين المختلفة ومنها المفاوضات مع دولة الإستعمار الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه إيجاد آليات إبداعية لضمان بقاء السلاح تحت إشراف المؤسسة الأمنية الرسمية، وعدم خروجه عن السيطرة. لاسيما وان حركتي حماس والجهاد المفترض ان تنضويا تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، وبالتالي مع إنعقادة دورة جديدة للمجلس الوطني يتم التوافق على البرنامج السياسي والكفاحي والشراكة السياسية بين كل القوى المنخرطة تحت عباءتها.

أما منطق ترك السلاح دون ضوابط ومعايير في يد كل من هب ودب، فهذا يعني عمليا ترك الأمور على عواهنها، وفتح الباب مجددا للفوضى والفلتان الأمني، وهو ما يعني بالضبط وجود سلطة شكلية في العلن ورسميا، لكنها لا تملك التقرير في أمن وسلامة المجتمع او المؤسسة الحاكمة. وهذا يتناقض مع خيار المصالحة والوحدة الوطنية، ويشكل ثغرة كبيرة في خاصرتها، ويضرب مرتكزاتها. ولا يمكن لإي قيادة وطنية القبول بان تكون طربوشا شكليا. من يريد المقاومة والتحرر الوطني من الإحتلال الإسرائيلي عليه ان يعمل وفق المعايير السياسية والتنظيمية والنظامية والكفاحية الوطنية العامة. لا ان يفترض هذا الفصيل او ذاك في نفسه وصيا على الشعب ومستقبله ومصيره دون غيره من الفصائل. وبالتالي في حال بقي السلاح في يد الفصائل دون إلتزام بمعايير النظام العام تكون الحالة الفلسطينية شبيهة مع وضع حزب الله، حيث يتمتع الحزب بالسيادة على المناطق التي يسيطر عليها، وسلاحه بيده والسلطة اللبنانية، رغم وجودها في تلك المناطق إلآ ان سيطرتها شكلية ووهمية. لإن صاحب القرار الفعلي على الأرض هو الحزب لا الدولة. وسيادة الدولة هنا شكلية.

وما طرح البعض الفروق وتضخيمها إلآ لإستغلال ذلك لتثبيت منطق إزدواجية السلطة، ووضع العصي في دواليب المصالحة. المقاومة والتحرر الوطني خيار الكل الوطني، وليس خيار فريق او فصيل دون سواه.