تغيرات متسارعة في منطقة الشرق الأوسط تسير بشكل دراماتيكي، ما يشير إلى إمكانية إعادة تموضع بعض الحدود في المنطقة، ويجعل من إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط محط اهتمام الكثيرين، خاصة في ظل الحديث عن مخططات التقسيم والانفصالات.
وبحسب بعض الخبراء، فإن تنفيذ هذه المخططات بدأ بالفعل في مشهد استفتاء كردستان العراق والأزمات المتلاطمة في الشرق الأوسط، وصولاً إلى الخطة الأميركية التي بشّرت بها علناً كونداليزا رايس، قبل أكثر من 11 عاماً، حينما كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية الأميركية، ومن تل أبيب على وجه التحديد، وكرّرها مسؤولون أميركيون آخرون؛ أبرزهم جو بايدن، عضو مجلس الشيوخ الأميركي، في عام 2006.
وقالت رايس في حينه إن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" سيحقق، حسب تعبيرها، "حلاً سحرياً لعلاج أزمات المنطقة المزمنة"، إلا أنه وإن طال زمن تحقيقه فقد أصبح هناك من يقرأ تفاصيل الأحداث في المنطقة العربية، والتغيّرات المتسارعة على أرض الواقع بأنها تصبّ في النهاية لصالح تقسيم بعض البلاد العربية، الأمر الذي يصبّ في تحقيق مخطط "الشرق الأوسط الجديد"، وإن كان على مراحل.
ضابط أميركي وحدود الدم
ونشر الضابط الأميركي السابق (كولونيل متقاعد من الأكاديمية الحربية الوطنية الأميركية)، رالف بيترز، في مجلة القوات المسلحة الأميركية بعددها الصادر في تموز 2006، مقالة بعنوان: "حدود الدم"، وهي جزء من كتابه "لا تترك القتال أبداً"، وتشكّل هذه المقالة تقريراً متكاملاً عن الصراعات في الشرق الأوسط، والتوتّر الدائم في المنطقة، والتي يعتبرها "بيترز" نتيجة منطقية لخلل كبير في الحدود الاعتباطية الحالية التي وضعها "الأوروبيون الانتهازيون" بحسب تعبيره.
وقال رالف بيترز إن المجموعات الإثنية والدينية في الشرق الأوسط مارست الاختلاط والتعايش والتزاوج، ولكن لا بد من إعادة رسم الحدود لإنصاف الإثنيات الموجودة، حسب قوله.
ومن أجل شرق أوسط أميركي جديد، تقدّم بيترز منذ ذلك الوقت بخريطة أمريكية "مبتكرة"، قد تكون بديلة لسايكس بيكو البريطانية الفرنسية قبل 100 عام وعام، تلغي بعض الحدود القائمة بين الدول، ويعتمد على مبدأ تقسيم الدول الحالية، فتتحوّل الدولة الواحدة إلى دويلات، وتنشأ دول جديدة، وتكبر دول صغيرة، وتصغر دول كبيرة.
وجاء فيما نشره قبل أكثر من 11 سنة؛ أن بوارد خطته "المقترحة" بدأت بالتحوّل إلى واقع، ما زالت دول كبرى وشعوب ترفضه، كما يراه العديد من السياسيين والمحللين، لا سيما في سوريا والعراق، ولذلك كان لا بد من الاطلاع على ما كتبه الضابط الأميركي قبل عقد من الزمن، لما يشكّله ذلك من مادة مهمة لتكوين فهم لمظاهر نزع الاستقرار والتقسيم السياسي الجارية في كل من العراق وسوريا واليمن، خاصة أن الفكرة تهدف لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد على أساس قومي أو إثني أو طائفي.
الشرق الأوسط الجديد
وبدأ العقيد السابق في الجيش الأميركي قوله بالحديث عن مشروع تقسيم الدول كان "الدولة الكردية"، والتي هي محور حديث العالم أجمع هذه الأيام، بعد الاستفتاء الشعبي الذي أفرز موافقة أكثر من 92% على الانفصال، وتشكيل دولة كردية في شمال العراق، والتي كما يراها البعض "حجر الأساس" لمشروع "الدولة الكردية الكبرى".
ويرى مقال الضابط الأميركي أن الخطة المذكورة آنذاك تقضي بإقامة دولة كردية مستقلّة للأكراد؛ من خلال "استغلال الفرصة التاريخية التي لاحت للولايات المتحدة بعد سقوط بغداد في إنشاء دولة كردية، إثر تقسيم العراق إلى ثلاث دول، لأن الأكراد سيصوّتون بنسبة 100% لصالح قيام دولة مستقلة إذا عُرضت عليهم فرصة قيام دولة مستقلة".
وبشأن الدولتين الأخريين في العراق، وفقاً لما رسمت مخططاته، دولة للسنة تقع في وسط العراق، وأخرى للشيعة العرب، يكون مكانها في الجزء الجنوبي من العراق، وتشكّل نواة لإنشاء دولة شيعية عربية تنضمّ إليها مناطق واسعة من الأراضي المحيطة بها، ليشكّل حزاماً على المنطقة المحاذية للخليج العربي، على أن تشمل المناطق التالية: الجزء الجنوبي الغربي من إيران، والمعروف بمنطقة الأحواز، والتي تضم معظم الشيعة العرب في إيران، والجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية، والذي يضم العدد الأكبر من الأقلية الشيعية في المملكة.
"دولة سوريا الكبرى"، كما يرى الخبير الأميركي في التخطيط والتحليل صاحب الفكرة، أنه بعد تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام: كردي في الشمال، شيعي في الجنوب، وسني في الوسط، سيضطر الجزء السني إلى الالتحاق بسوريا، وذلك لأنه سيصبح دولة لا مقومات لها؛ بين مطرقة الدولة الكردية الكبرى إلى شماله، وسندان الدولة الشيعية إلى جنوبه، إذا لم ينضم إلى سوريا، وسيتم إجبار سوريا على التخلّي عن جزء صغير منها لضمّه إلى لبنان لتشكيل "دولة لبنان الكبير" على البحر المتوسط.
دول الخليج
وأظهر المقال وفقاً للمخطّط القديم، والذي تتم قراءته حالياً بصورة مغايرة؛ عبر ربط ما جاء فيه مع متغيرات المنطقة وقراءة مستقبلها، أن المملكة العربية السعودية ستكون، إلى جانب الباكستان، بالإضافة إلى تركيا، من أكثر الدول التي ستعاني نتيجة للتغيير الذي سيطرأ على المنطقة، وسيتم تقسيم المملكة إلى خمسة أقسام:
أولاً: القسم الشرقي الساحلي حيث توجد الأقلية الشيعية في المملكة، وسيتم إلحاق هذا القسم بـ "الدولة العربية الشيعية".
ثانياً: القسم الثاني، هو جزء يقع في شمال غرب وشرق المملكة، وسيتم إلحاقه بالأردن، الذي سيشكل بحدوده الموجودة حالياً، إضافة إلى الجزء السعودي، دولة (الأردن الكبرى)، التي ستضمّ كل الفلسطينيين في الشتات، والحديث ما زال كما جاء في مقال الضابط الأمريكي "حدود الدم".
ثالثاً: القسم الثالث من المملكة سيضمّ كل المدن الدينية، ولا سيما مكة المكرمة والمدينة المنورة، اللتين سيتم تشكيل دولة دينية عليهما، يحكمها مجمع ديني من مختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية، ويشبه إلى حدٍّ كبير الفاتيكان.
رابعاً: إلحاق قسم من جنوب المملكة بالجمهورية اليمنية، التي سيزيد حجمها.
خامساً: تشكيل دولة سياسية في القسم المتبقّي من حجم المملكة الأصلي.
أما بقية دولة الخليج؛ فبحسب "المخطط الأميركي"؛ فإن الكويت وقطر وعمان والإمارات ستبقى على الأرجح بشكلها الحالي دون زيادة أو نقصان، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإمارات قد تشهد بعض التغييرات، تبعاً للتغيير الذي سيصيب بعض الدول المجاورة لها، سواء لناحية إيران أو دولة الشيعة العرب، في حين سيزيد حجم اليمن نتيجة لمنحها جزءاً من المملكة العربية السعودية.
"الخليج أون لاين"