الوصفة المضمونة للفشل في أي قضية، هي البدء بالسهل وتأجيل الصعب. وهذا ما ينبغي أن نخشاه ونحن نتصدى لمعضلة الانقسام، ونسعى ومعنا المصريون لإنهائها والخلاص من كوارثها.
وفي المحاولة الحالية التي ولدت في القاهرة بدأنا بالسهل، مثل المصافحة والعناق وزيارة المقرات واجراء طقوس التسليم والاستلام، وكل هذا تم في ساعات قليلة ودون أن يسبقه جهد يذكر.
اما الصعب الذي ينتظرنا وهو السبب الجوهري في وقوع الانقسام، واستمراره لعشر سنوات فإن عناوينه ومضامينه .. السلاح والسياسة.
في المحاولات السابقة لانهاء الانقسام، وقد جرت في أهم العواصم، وبعضها بجوار الكعبة المشرفة، تم الاتفاق على كل شيء بما في ذلك تشكيل حكومة ائتلافية ترأسها «حماس»، وفي ذات الوقت تمت معالجة معضلة السلاح والسياسة بالتحايل والتأجيل، فكانت النتيجة ان استمر الانقسام، ودخلنا مرحلة طويلة الأمد في سباق تتابع لم يفض الا الى الفشل.
في السياسة كانت العقدة التي اكتشفنا بأنها صاعق التفجير تتجسد في كلمة طلبها العالم كله من حماس ، ولم تقلها ، واستعضنا عنها بكلمة تحايلية، كان العالم يريد كلمة «نلتزم» بما التزمت به منظمة التحرير، وأصرت حماس على «نحترم»، وكانت النتيجة ان أحدا لم يتعامل مع الفلسطينيين كطرف واحد وصار بعد ذلك ما صار.
وفي أمر السلاح فلم نلجأ لا الى التحايل ولا الى غيره، إذ ذهبنا نحن والوسطاء إلى التأجيل، ليس في تنفيذ تفاهمات تمت حوله تحت عبارات مبهمة، وانما في الغاء مجرد الحديث عنه واعتبار الاقتراب منه دخولا فظا ومدمرا في المحرمات .
التعقيد هنا يكمن في أن كل طرف على حق في الموقف الذي اتخذه من هاتين القضيتين الشائكتين، فلو اعلنت حماس التزامها بما التزمت به منظمة التحرير، فإنها بذلك تفقد الأرض السياسية التي تقف عليها والقائمة على رفض ما التزمت به المنظمة ، وطرحها لبديل مناقض لهذا الالتزام ، فالامر هنا بالنسبة لحماس ليس مجرد كلمة تقال وانما سياسة فيها التزامات مناقضة تماما لأدبياتها ومبادئها، ومطالبة فتح لحماس بالالتزام، هي مطالبة محقة بالانسجام مع سياستها ومشروعها الذي بدأ باعتراف صريح بحق إسرائيل في الوجود، مع تعهدات موثقة بالمضي قدما في حل سياسي لا مكان لغير المفاوضات فيه.
كل المحاولات السابقة أخفقت في فك هذه العقدة، فهل نتوقع تقدما مقنعا لصيغة يرضى بها العالم وقبل ذلك ان ترضى بها «فتح» .
دعونا لا نستبق الأمور فربما نرى دخانا أبيض حول هذه النقطة بالذات.
اما موضوع السلاح، فكل طرف من أطراف الانقسام محق في وجهة نظره، فالسلطة لن يكون لها مصداقية تمثيل الشعب الفلسطيني في أي مفاوضات جدية، اذا قدمت نفسها للعالم بأنها مسؤولة عن جوانب معينة في الحالة الفلسطينية وليست مسؤولة عن الجانب الأهم في أمر السيادة والحكم والتمثيل وهو السلاح.
وحماس من جانبها ووفقا لمنطقها ومبررات وجودها ونفوذها، تعتبر التخلي عن سلاحها بمثابة نهاية نفوذها ورهاناتها على تطوير هذا النفوذ ليشمل الكيان الفلسطيني بأكمله.
موقف السلطة في أمر السلاح يبدو منطقيا بالقياس بالتزاماتها ونهجها السياسي وحتى لرؤيتها للمقاومة على انها ينبغي ان تكون سلمية ولا مجال للسلاح فيها، فمن يوفّق اذا بين المنطقين؟ وما هو السبيل لايجاد أرضية مشتركة يقف عليها طرفا الانقسام، متحدين ومنسجمين وبموافقة العالم الذي يراقب والذي له شروط .
اذا ... ينبغي الإقلاع عن سيناريو الاسهل اولا والاصعب مؤجلا... ففي حالتنا فإن طرح الأمور جميعا على الطاولة، وابتكار الحلول الفعالة والمقنعة لها، هو المنطق الصحيح الذي يؤدي الى انهاء الانقسام وتفادي الانهيارات والانفجارات التي ثبت ان المؤجل هو من كان صانعها في كل المحاولات السابقة.
الأخ الكبير في مصر وقد شمر عن ساعديه وحشد كل ثقله في هذه الجولة المفترض ان تكون حاسمة، يملك قدرة اقناع على الطرفين بالشروع في معالجة المؤجل حتى لو استغرق ذلك وقتا، اما تحريم البحث في أي امر مثلما حدث في السابق فقد يكون ذلك هو الوصفة المتكررة لفشل متكرر.