لم يُعطِ أحد القضية الفلسطينية كما أعطتها مصر. هزيمة العرب فى 1948 وقيام دولة إسرائيل كانا من الأسباب المباشرة التى أدت إلى قيام ثورة يوليو 1952. دفعت مصر ثمناً غالياً من مقدراتها ودماء أبنائها فى الحروب التى استعرت بعد ذلك بينها وبين إسرائيل، بسبب دفاعنا عن حق الفلسطينيين فى إقامة دولة. وبعد أن اتجهت مصر إلى السلام، خلال فترة حكم الرئيس السادات، كان هناك إصرار على أن المفاوضات لا تسعى إلى حل منفرد بين مصر وإسرائيل، بل حل المشكلة الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة تضم الفلسطينيين، على حدود ما قبل يونيو 1967، لأن المشكلة الفلسطينية هى جوهر الصراع العربى الإسرائيلى. وقتها أبى العرب الأمر، وهاجموا الرئيس السادات، ثم تدفقوا أفراداً وجماعات بعد ذلك على «تل أبيب». ويشكل نجاح مصر مؤخراً فى إبرام اتفاق مصالحة بين «فتح» و«حماس» حلقة جديدة من حلقات السعى المصرى لرعاية وحل القضية الفلسطينية.
سكة السلام أصبحت، منذ زمن طويل، الطريق الذى رأى العرب أن السير فيه هو الذى سيؤدى بهم إلى حل المشكلة. المعضلة دائماً تظل فى إسرائيل التى تسعى إلى بناء «السلام المناسب لها». ومعادلته بسيطة أساسها التطبيع الكامل من جانب العرب مع إسرائيل مقابل أن تسالمهم حكومة تل أبيب. إسرائيل لا تريد أن تعطى شيئاً، وفى الوقت نفسه تستهدف الحصول على كل شىء. بعد ساعات من إبرام المصالحة بين فتح وحماس، خرجت حكومة تل أبيب تطلب من حماس أمرين، أولهما الاعتراف الرسمى بإسرائيل، وثانيهما نزع سلاح المقاومة. طلبت ذلك قبل أن تخطو أى خطوة فى الجلوس على مائدة المفاوضات للتناقش حول حل المشكلة وإجراءات إقامة الدولة!
إسرائيل تعلم قبل غيرها أن إقامة الدولة الفلسطينية هى السبيل الوحيد لنزع سلاح المقاومة، والاعتراف بها. وإصرارها على هذين الأمرين قبل البدء فى التفاوض يعنى أنها تضع العربة أمام الحصان، وتبحث عن النتائج قبل أن تضع المقدمات التى تفضى إليها. إنه التعنت الذى اعتدنا عليه. المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين خطوة داخلية تخص الفلسطينيين وحدهم، بنفس القدر الذى تخص به مصر، لأن «غزة» على وجه التحديد تُعد جزءاً من الأمن القومى المصرى. وهى خطوة ضرورية للدخول فى مفاوضات سلام مع إسرائيل، وظنى أنه ليس فى مقدور «فتح» ولا «أبومازن» إجبار المقاومة الفلسطينية على نزع سلاحها، فأنَّى للسلطة الفلسطينية أن تمارس ضغوطاً من هذا النوع على حماس ومفاوضات السلام وحل الدولتين فى حالة جمود كامل منذ سنين؟
الشروط التى تتمسك بها إسرائيل، باعتراف حماس بها ونزع سلاح المقاومة، تعنى ببساطة أن إسرائيل لم تلتفت بالقدر الكافى إلى الجهود التى بُذلت من أجل إتمام المصالحة، والتمحك بهذين الأمرين قبل بدء المفاوضات بين الطرفين يعنى أن إسرائيل لا تريد الدخول فى مفاوضات حقيقية لتفعيل حل الدولتين. هذه المعضلة يمكن حلها بالمزيد من الضغوط الإقليمية والدولية على صانع القرار الإسرائيلى. فالفلسطينيون فعلوا المطلوب منهم، ومصر قامت بدورها الذى اعتادت عليه فى رعاية حل المشكلة، والمتعنت كالعادة هو الدولة العبرية!.
عن الوطن المصرية