دعوة نتنياهو يهود أوروبا للهجرة الجماعية إلى إسرائيل.. خطأ سياسي وأخلاقي

b6be490e-4201-4315-b380-91115529301e
حجم الخط

دعوة بنيامين نتنياهو يهود أوروبا للهجرة الجماعية إلى إسرائيل، بعد الأحداث الإجرامية في باريس وكوبنهاغن، خطأ سياسي وأخلاقي. هل الحلم الصهيوني هو أن نرى أوروبا «خالية من اليهود»؟
لم تقم دولة إسرائيل على المنهج الذي تسير عليه اليوم، ولكن كتعبير حق اليهود بتقرير المصير كأمة في دولتهم. تمردت الصهيونية على التشاؤمية الدينية – اليهودية التي تركت مصير اليهود في يدي الله، ووضعت هذا المصير بين يدي الإرادة الحرة لليهود ممن يطلبون الحياة كشعب حر في وطنه. هذا حق كوني، ولا يجب حرمان اليهود منه، كما لا يجب حرمان اي مجموعة قومية أخرى منه.
ومن الواضح ان صعود اللاسامية الفظة في النصف الأول من القرن الماضي عزز من ضرورة «الدولة اليهودية»، وهذا هو السبب الإضافي لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني، والتي اعترفت بحق اليهود في دولة خاصة بهم في فلسطين، إلى جانب حق الشعب الفلسطيني بدولة خاصة به.
عندما يدعو نتنياهو يهود أوروبا للهجرة إلى إسرائيل، فذلك يدل على انه ما زال يعيش في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي، ويتجاهل التغيرات التي حدثت لمكانة اليهود في العالم، وخصوصا في أوروبا والولايات المتحدة.
شهد النصف الأول من القرن العشرين صعود أنظمة لا ديمقراطية في عدد من الدول الأوروبية، تشاركت في ميزة النظر إلى اليهود كعامل غريب يجب التخلص منه – وفي الحالة المتطرفة، النازية، يجب إبادته. صعدت الأنظمة الفاشية ونصف الفاشية كذلك في بولندا وهنغاريا ورومانيا ودول بحر البلطيق، والتي رفعت بشكل أو بآخر شعارات لا سامية (وهو ما جرى أيضا في إيطاليا بعد عقد التحالف بين موسوليني وهتلر): التمييز ضد اليهود وفقاً للقوانين التي تم سنها، طردهم من الخدمة العامة وتحديد أنشطتهم الاقتصادية، تحديد أعدادهم في الجامعات، إبعادهم من المهن الحرة، قيود على التعليم اليهودي والتشجيع الصريح على الهجرة.
في فرنسا، وعلى نطاق أقل في انجلترا، برزت أحزاب وشخصيات رفعت أعلام اللاسامية، وفي الولايات المتحدة وعظ كبار رجال الصناعة كهنري فورد ومبشرين دينيين كالخوري المذيع تشارلس كوفلين ضد اليهود، والجامعات الراقية كجامعة هارفارد وجامعة ييل حددت عدد الطلاب اليهود، وعملت كل ما باستطاعتها لمنع تعيين بروفيسورات يهود. انتخاب الاشتراكي اليهودي، ليون بلوم، رئيسا لوزراء فرنسا في العام 1936 ترافق مع أحداث لاسامية بشعة وعنيفة، وفي الكثير من دول أوروبا تم تشخيص اليهود كرأسماليين استغلاليين أو على النقيض، كعملاء للثورة الشيوعية.
تغير العالم اليوم – وإلى حد ليس قليل نتيجة للكارثة، يجب أن نعترف – تغيراً كليا. لا يوجد اليوم حزب أو شخصية لا سامية في السلطة في الدول الأوروبية، والأحزاب اللاسامية موجودة فقط في الهوامش – في هنغاريا واليونان. حتى هناك هم فقط في المعارضة، وعلى الأغلب هي مقصاة بسبب الاشمئزاز، أما قاعدة كراهيتهم فهي موجهة ضد النوَر والمهاجرين والمسلمين والألبان. الأصل اليهودي لأي سياسي لم يعد في مجال البحث لأي دولة ديمقراطية في أوروبا. 
الأصل اليهودي لرئيس حزب العمل البريطاني ليس مجالا للجدل العام في بريطانيا، في المقابل من الجدير بالذكر انه في بداية الحرب العالمية الثانية أُجبر وزير الدفاع البريطاني هور - بليشا على التنازل عن وظيفته كي لا يقال إن بريطانيا دخلت الحرب ضد ألمانيا «بسب اليهود». ربما كان ساركوزي غير محبوب لدى العديد من الفرنسيين، ولكن ليس بسبب خلفيته اليهودية، لم يحدث ابدا ان عاش اليهود في حرية ومساواة كما يحدث الآن في الدول الأوروبية.
فوق ذلك – وهذا هو احد اكبر الإنجازات للشعب اليهودي والذي تحقق بشكل متناقض بعد عملية القتل في باريس وكوبنهاغن – يبذل القادة الأوروبيون كافة الجهود للتأكيد بأن اليهود هم جزء متكامل في دولهم. عندما يعلن الرئيس الفرنسي بأن اليهود هم جزء من الأمة الفرنسية، ويعلن رئيس وزراء فرنسا بأن فرنسا بدون اليهود لن تكون فرنسا، فذلك نصر ليس فقط للحرية والمساواة، ولكن أيضا لليهود.
لم يحدث ابدا ان أسمعت تصريحات في غاية الوضوح كهذه لدى الزعماء الفرنسيين، تصريح آخر مشابه أسمعته رئيسة وزراء الدنمارك. في بولندا، وعلى خلفية التاريخ المعقد لليهود فيها، يجري افتتاح المتحف اليهودي، والذي يعرض وفقا لأقوال رئيس وزراء بولندا، تاريخ يهود بولندا باعتبارهم جزءاً لا ينفصل عن تاريخ الدولة. تصريحات القادة الأوروبيين، التي تقول إن اليهود هم جزء أساسي من أوروبا، تجسد بشكل هزلي ما قاله جابوتنسكي بأن اليهود عاشوا في أوروبا حتى قبل مجيء بعض الشعوب الأوروبية مثل السلاف والهنغاريين.
اختفى كل ذلك من عيني نتنياهو، كما اختفت واقعة أنه بدعوته يهود أوروبا للهجرة إلى إسرائيل فهو يسيء إلى قادة أوروبا الذين يرون في اليهود جزءا من ثقافتهم الديمقراطية وهويتهم الوطنية.
فرنسا الحالية ليست هي فرنسا محاكمة درايفوس أو حكومة فيشي، ومن يتجاهل ذلك يهين الديمقراطية الفرنسية. دعوة يهود الدانمارك للهجرة إلى إسرائيل هي بمثابة صفعة على الوجه للتقاليد العظيمة للدولة والشعب الدنماركي، والذين فتحوا بواباتهم لليهود المطرودين من إسبانيا في القرن الـ 16ـ وأنقذوا يهود الدنمارك في القرن العشرين في عملية جماعية عبر تهريبهم إلى السويد – وهو الأمر الذي لم يفعله اي شعب آخر على نطاق جماعي عندما سيطر الظلام النازي على معظم القارة.
بدون شك: يوجد أحداث لا سامية خطيرة حاليا في أوروبا. ولكن معظمها – كعمليات القتل الأخيرة – ارتكبت بأيدي مسلمين وليست مرتبطة باللا سامية الأوروبية التقليدية. وكذلك ليس ممكنا تجاهل أحداث عنيفة لا اسلامية مثل إحراق المساجد. ولكن هذا هو الفارق بين أيامنا وأيام الثلاثينيات: الأعمال اللاسامية حتى لو كانت قاتلة تختلف جذرياً عن أنظمة وسلطات لاسامية. في الثلاثينيات كان قسم كبير من الأنظمة الأوروبية لاساميا، أما اليوم فالسلطات تقف إلى جانب اليهود، وليس ضدهم. واليهود في أوروبا يفهمون ذلك جيدا. لهم الحق في مطالبات مشروعة مثل دفاع أفضل عنهم، ولكن من مثلنا في إسرائيل يعرف كم هو صعب أن تواجه عمليات وقتلة منفردين.
على إسرائيل ان تكون مفتوحة أمام كل يهودي يرغب في العيش فيها، وإذا تعرضت مجموعة يهودية في اي مكان للتهديد على حياتها او معيشتها، على إسرائيل ان تسارع لمساعدتها، كما حدث في النضال من اجل يهود الاتحاد السوفييتي وهجرة يهود أثيوبيا.
انه لمن المصلحة الواضحة لاسرائيل والشعب اليهودي بكامله أن يعيش اليهود  بأمن وسلام في أي مكان في أوروبا والعالم. نجاح الصهيونية يتمثل في قدرتها على جذب اليهود للعيش فيها بناء على جودة الحياة في دولة اليهود، وليس من خلال الخوف القلق.
نحن في العام 2015، ولسنا في العام 1938، والجدير بنتنياهو ان يعترف بالانقلاب العظيم والإيجابي لوضع اليهود في العالم الحالي. بدعوته لهجرة يهود أوروبا أعاد نتنياهو ذكرى معاناة جده. ولكن ومع كل التقدير للمعاناة التي حدثت لجده وأجداد الكثير منا، فنحن نعيش في الحاضر وليس في الماضي. علينا ان نتذكر الماضي، ولكن أيضا أن نقر بأن العالم تغير.
عن «هآرتس»