يمكن للأحداث الأخيرة في موضوع المقاطعة، وهي حالياً رمزية في أساسها، ان تشكل اشارة تحذير. غير أن جملة التصريحات الوطنية والكاذبة تغشي عيون الجمهور في إسرائيل، وتمنع نقاشا حقيقيا في الموضوع. وهاكم بعض النماذج:
1. الـ «بي.دي.اس» استمرار للمقاطعة العربية ضد إسرائيل: ليس صحيحا. فمن الخمسينيات وحتى التسعينيات مارست الدول العربية مقاطعة اقتصادية استخدمت سلاح النفط كي تفرض على الجهات الدولية الا تقيم علاقات مع اسرائيل. هذه المرة لا تقود الدول العربية او أي جهاز مركزي آخر هذه المقاطعة. فالحديث يدور عن مجموعة من العناصر في كل العالم، معظمها لا يرتبط الواحد بالاخر، القاسم المشترك الوحيد بينهم هو الانتقاد الحاد للغاية لإسرائيل – بعضه كاذب، بعضه صحيح – والرغبة في اتخاذ خطوات لإجبار إسرائيل على وقف الاحتلال.
2. المقاطعة ظاهرة خاصة ضد اسرائيل، ولأننا يهود فهي لاسامية: ليس صحيحا. فالمقايسة بين المقاطعة ضد اسرائيل والمقاطعة الدولية التي فرضت على حكم الابرتهايد في جنوب افريقيا في الثمانينيات تظهر خطوط شبه عديدة مشتركة بالنسبة للمشاركين، المصادر، الصياغات، المناطق والمواضيع التي اقيمت عليها المقاطعة وما شابه. فهل الطلاب الذين خرجوا في مظاهرة كبرى في الجامعات في الولايات المتحدة وفي اوروبا ضد التفرقة العنصرية والنظام في بريتوريا كانوا ايضا لاساميين؟
3. المقاطعة هي في أساسها ظاهرة أوروبية. اما في الولايات المتحدة فهذا لن ينجح: ليس صحيحا. صحيح ان التعاطف مع اسرائيل اعلى في الولايات المتحدة منه في اوروبا، ولكن هناك ايضا الوضع آخذ في التردي. فرجال المنظمات اليهودية يبلغون عن صعوبة متزايدة في الجامعات في ارجاء أميركا، حيث يتعاظم نشاط مؤيدي المقاطعة، وتنضم اليه المزيد فالمزيد من المحافل في وسائل الاعلام الأميركية، التي تعتبر في الغالب مؤيدة لاسرائيل. وفي دول اخرى ايضا تعتبر عاطفة جدا على اسرائيل (كندا، استراليا) تتكاثر الاصوات المؤيدة للمقاطعة.
4. خلف المقاطعة تقف «محافل ارهاب»/فلسطينيون/متطرفون لاساميون: ليس صحيحا. بالتأكيد يمكن أن نجد في مئات المنظمات ومجموعات الفيسبوك المشاركة في محاولات فرض المقاطعات على اسرائيل جهات كهذه ايضا، ولكن لو كان الامر متعلقا بهم لكانت فرضت هذه على اسرائيل منذ زمن بعيد. وهذا لا يعني انهم لم يجربوا. فقوة المقاطعة في اتساع متزايد في اوساط عديدة لا ترتبط بالنزاع الشرق أوسطي. فما أن كف «المخربون الانتحاريون» عن تفجير أنفسهم في شوارع المدن عندنا حتى بدا النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني كخصام عقاري ما غير واضح يبعث على عدم الاستقرار، ويبدو من بعيد مثل الابرتهايد.
5. اسرائيل يمكنها ان تنتصر على المقاطعة اذا كان الاعلام اكثر نجاعة ومزودا بالميزانية المناسبة: ليس صحيحا. المشكلة المركزية في الحرب ضد المقاطعة ليست في التسويق بل في المنتج. ففي العالم 2015 لا يمكن تسويق الاحتلال. والممارسة والانجع للدعاية الاسرائيلية يمكنها فقط أن تكسب الوقت. اعتذار آخر من مدير عام اورنج، تأجيل آخر لعقوبات الفيفا، ولكنها لا يمكنها ان تؤجلها الى الابد. اما الوسائل السرية وتجنيد المقدرات للنشاط المركز فجيدة ضد خصوم معدودين، وليس ضد مئات المنظمات وعشرات آلاف النشطاء.
6. «هدف الحملة ليس فقط التأثير في هذه السياسة أو تلك، بل تصفية وجودها كدولة يهودية وديمقراطية» (آييلت شكيد): قد يكون هذا صحيحا بالنسبة لبعض المحتجين ضد إسرائيل، ولكن ليس بالنسبة لكثيرين آخرين. يمكن الجدال مع رأيهم، يمكن القول انهم مخطئون أو كاذبون. ومع ذلك، من معرفتي ولقاءاتي مع بعض المحافل التي تدعو الى المقاطعة، أخذت الانطباع بان هؤلاء هم اناس ومنظمات مقتنعون حقا بانه بسبب الاحتلال تتحول اسرائيل الى دولة ابرتهايد، وان من واجبهم تغيير ذلك. وسيسأل أحد ما: كيف تعرف؟ هؤلاء لاساميون اذكياء يخفون نواياهم الحقيقية. وكيف تعرفون؟ الادعاء بالمؤامرة لابادة اسرائيل تحت غطاء انتقاد الاحتلال يتطلب اثباتا، وواجب الاثبات على المدعي.
ان حكم الابرتهايد لم ينهر بسبب العمليات الارهابية التي خاضها الـ ANC بل لأن قادة الحكم رأوا هرب أبنائهم ممن لم يرغبوا في ان يعيشوا في دولة منبوذة وفهموا بانهم وصلوا الى نهاية الطريق. والمقايسة بين مؤيدي مقاطعة اسرائيل والابرتهايد بعيدة عن أن تكون دقيقة، ولكن المقايسة بين موقف العالم منهم في الثمانينيات ومنا اليوم دقيقة جدا. يجدر بنا أن ننظر الى هذه الحقيقة في العينين، وأن نفهم بأن هناك سبيلا واحدا ناجعا فقط للتصدي للمقاطعة – مفاوضات سياسية حقيقية مع الفلسطينيين.
عن «يديعوت»