هل ما زلنا متمسكين باقتصاد السوق؟

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بات حافزاً أن تكون منضوياً ضمن إطار نقابة وكلاء توزيع الغاز ونقابة أخصائيي البصريات ونقابة أصحاب المخابز لعدة أسباب أهمها أنك تحدد أسعار خدماتك وسلعك ارتفاعاً وتمتلك قدرة على تبرير الأمر والدفاع عنه، فأنت مؤهل لمصادرة أسطوانات غاز الطهي من منزل المواطن تحت ذريعة السلامة العامة التي هي ليست من شأنك بل شأنك أن تنقل الغاز بمركبات مناسبة وأن تستخدم أكسسوارات مطابقة للمواصفة وذات جودة وتلتزم بالسعر المحدد من الهيئة، أما أخصائيي البصريات فقد باتوا يخالفون من يبيع أقل من تسعيرتهم الموحدة ارتفاعاً وباتت الأسعار مرتفعة وغابت المنافسة، ولا يتغير الحال لدى المخابز.
تلك بعض من القضايا التي تشغل بال الناس وترفع سقف توقعاتهم من جهات الاختصاص لعلها تبادر لحلها حسب القانون وحسب سلامة الإجراءات، إلا أننا ما زلنا ندور في ذات الحلقة المفرغة ويقال عنا: إننا نكبر حجرنا ولا نصيب.
وعندما تكبر القضايا يصبح الحديث أصعب وأكثر تعقيداً من عيار تسريب أملاك البطريركية الأرثوذكسية التي بدأت بعمليات الحكر ثم باتت تباع جهاراً نهاراً ونصبح أكثر حساسية بأن نحافظ على المسرب البائع لكي لا يغرق أكثر فأكثر ويصبح همنا الحفاظ على ما تبقى من أملاك وضمان التمثيل في المحاكم لاسترداد ما سرب، وهذا منطق لا يروق للرعية ولا للقوى الحية في المجتمع ورغم ذلك يعتمد هذا التحليل في الوقت الذي لا يجد سوقاً.
ويصير لسان الناس يكرر الشكوى والتذمر لأنه لا يجد حلاً بل يجد تبريراً وتفسيراً، والتبرير يحمل صياغات تجعل من الصعوبة بمكان أن تصل لدماغ المواطن/ة نتيجة لأن المبرر يمتلك منطق المسؤولية المطلقة سواء في البلدية أو المجلس القروي أو نقابة أصحاب مكاتب التاكسي أو نقابة أصحاب الباصات ومنطق القوة، ويكبر التبرير والفذلكة في القضايا الكبرى.
الأهم في الموضوع أننا ننفس أحياناً بطريقة مدروسة وممنهجة ومخططة لتبيان الغالبية غير عارفة بالأمور لغرض في نفس يعقوب ولأغراض تمويلية بحتة أحياناً، ما هو الغرض من إظهار الناس بأنهم لا يعرفون شيئاً عن وعد بلفور وكأننا نعتذر للعالم أننا أثرنا هذا الملف الوطني بامتياز، أذكر إبان حياتنا المدرسية كنا نضرب في الذكرى وكانت الناس تتندر: "فليسقط واحد من فوق"، على أساس أن الكل مش فاهم وأنتم تضيعون أياماً دراسية "عالفاضي"، وعندما نصدر مجلة حائط في النادي الشبابي تزداد موجة التندر على ذات القاعدة، وفي العام 2017 نعيد الكرة للاستهزاء بوعي الناس وباندفاعهم خلف القيادة لإلزام بريطانيا بالاعتذار والاعتراف بدولة فلسطين وكأن الأمر ممنهج.
وتتعقد الأمور أكثر فأكثر عندما نصل إلى دخول مستثمر جديد في قطاع النقل والمواصلات بعد أن أصبحنا غير قادرين على الانتفاع من منحة "أوريو" لتطوير قطاع النقل، ويصبح حيط المستثمر الجديد منخفضاً ونضع به كل سلبياتنا ويصبح أصحاب مكاتب التاكسي هم الأحرص رغم أنهم لا يشغلون عداداً ويدخنون في المركبات ويكثرون الحديث "عالفاضي والمليان" ويطيرون عن سطح الأرض ويتصدع رأسك من صوت اللاسلكي وتسمع عشرات الأسماء التي لا تعنيك، وإن توفرت منصة إلكترونية توجه التاكسي وتحمل التطبيق وتعرف كم المدة لوصول التاكسي إليك ومن هو السائق وتقييمه والكلفة التقديرية وتربط المسافة والزمن كعوامل لحساب التكلفة لكل رحلة يصبح الأمر مستهجناً، ويسقط اقتصاد السوق المنصوص عليه في القانون الأساسي الفلسطيني لصالح رغبات نقابة أصحاب مكاتب التاكسي ونقابة سائقي التاكسي ولا تمارس ذات الليونة في ملف توحيد أسعار بوالص التأمين ارتفاعاً مثلاً لصالح المواطنين "الغلابة".
وغالبية الذين يحاربون المنافسة ويرفعون الأسعار ويبررون ويحمّلون الأمور ما لا تحتمل إن قلت لهم تعالوا إلى كلمة سواء بيننا نقاطع المنتجات الإسرائيلية ونقاطع المستوطنات وما يرتبط بها يطلقون القرص المضغوط للتبرير السلبي "لا يوجد لدينا صناعة فلسطينية؟"، "لا يوجد مستوردون.. كل مواد الخام إسرائيلية"، "لا يوجد جودة". سبحان الله هم كأخصائيي البصريات ومخابز ووكلاء غاز ومكاتب تاكسي وسائقي عمومي هم فقط الاقتصاد الفلسطيني.. هم فقط القطاع الخاص والداعمون للاقتصاد وفرص التشغيل وبقية القطاعات ليست كذلك. سبحان الله يصبح الدقيق الفلسطيني غير جيد، والحليب الفلسطيني من البقرة الفلسطينية مشكوك بأمره، والدواجن "ما بتنفع" إلا الطريف والعتقي المهرب لسوقنا.
الناس في بلدي تلح بالسؤال: إلى أين؟ وماذا نحن فاعلون؟ ويريدون إجابات واضحة على أسئلة واضحة من عيار: هل نحن مع اقتصاد السوق وبالتالي العرض والطلب  والمنافسة أم لا؟ هل يصدر قرار الموافقة على استثمار جديد في الوطن بعد فقط استشارة أهل المهنة وإذا رفعوا الصوت قليلاً نغلق نافذة الاستثمار الجديد ونجرمه؟ هل قرار تطوير القطاع الصحي مرتبط بمعيار كمي ونوعي؟
يلح السؤال: هل يحق للأطباء أن يرفعوا الكشفية لأن تشدداً من قبل ضريبة الدخل تجاههم في عياداتهم الخاصة، أم إذا احتجوا بصوت مرتفع سنتسامح معهم وترتفع الكشفية أو تلغى عنهم ضريبة القيمة المضافة لأنهم يؤدون عملاً إنسانياً؟ هل يحق لخطيب مسجدنا أن يحدثنا عما شاء، عدا المصالحة والوفاق الوطني وإن سألنا ينتصر له مصلون من منطلق المجاملة له؟
لسان حال الناس وما زال يلح بالسؤال ونتردد بالإجابة لأن النقابات للمهن المختلفة تتفنن بالدفاع عن مصالحها دون مرجعية قانونية وتجد من يبرر لها الأمر. والغريب أن أسطوانات الغاز قد جمعت من محافظة رام الله والبيرة عنوة ودفعنا ثمنها ولم يوثق إتلافها علناً، إذن أين ذهبت؟ هل بيعت أم رحلت إلى محافظة أخرى أم إلى مناطق محظور التجارة معها مثل المستوطنات، أم بيعت حديداً بثمن مناسب؟