في ظروف مختلفة وبعد قصف اسرائيلي يؤدي الى استشهاد سبعة من سرايا القدس و كتائب القسام وجرح تسعة اخرين ليس هناك مجال للتوقف و التفكير و كظم الغيظ ، رد الفعل المتوقع هو اطلاق وابل من الصواريخ على المستوطنات و المدن الاسرائيلية دون النظر اذا ما كان هذا الامر قد يؤدي الى موجهة عسكرية شاملة ام لا.
الظرف الان مختلفة تماما ، ليس هناك مجال لاتخاذ القرارات بشكل عاطفي مهما كان الجرح بليغ و الخسارة فادحة . القيادات الفلسطينية اصبحت اكثر نضجا واكثر قدرة على كظم غيظها و عدم الانجرار لردات فعل في النهاية تخدم الاحتلال و تمنحه ميزة التحكم في قوانين المواجهة من حيث التوقيت .
ليس هناك من شك ان توقيت قصف النفق قد تم اختياره بعناية شديدة ، سيما ان اسرائيل تقول انها كانت تملك معلومات مسبقة عن هذا النفق و قد استعانت بما لديها من تكنلوجيا حديثة من خلال استخدام المجسات التي ما زالت تحت التجريب للوصول الى معلومات دقيقة حوله.
لم يكن صدفة ان اختيار يوم امس له علاقة مباشرة بامرين مهمين الاول فلسطيني و الثاني اقليمي دولي .
على الرغم من الرواية الاسرائيلية الرسمية بأن كان لدى الجيش الاسرائيلي معلومات مسبقة عن النفق و كانت تتابع تقدمه و عندما وصل و تجاوز الحدود الاسرائيلية قررت تدميرة. و ان عدد الشهداء الكبير هو ان جزء منهم لم يكن في النفق اثناء القصف بل جاءوا لانقاض رفاقهم و استشهدوا نتيجة استنشاق الدخان او الانهيارات التي حدثت نتيجة القصف او نتيجة انفجار المواد المتفجرة التي كانت داخل النفق .
على الرغم من ذلك من حيث التوقيت هو يوم واحد فقط قبل ان تتسلم السلطة مسؤليتها عن معابر غزة ، وهي الخطوة العملية الاهم حتى الان في تنفيذ بنود المصالحة.
هذا التفجير من حيث التوقيت يحمل رسالة اسرائيلية واضحه مفادها ان كل ما يجري من تنفيذ شكلي للمصالحه امر لا يعنينا بشيء و ما يهمنا اكثر هو ما يجري تحت الارض وفوق الارض من تطوير لقدرات الفصائل الفلسطينينة، وان اسرائيل لا يمكن ان تقبل باتمام المصالحه قبل ان تضع السلطة يدها على كافة هذه القدرات العسكرية. ما لم يحدث ذلك فأن اسرائيل ستواصل عملها لوحدها دون مساعدة احد. اذن الهدف المباشر هو تعزيز المطلب الاسرائيلي بضرورة تفكيك سلاح المقاومة.
اما البعد الاخر ، فهو اقليمي و دولي وهو مرتبط بما سبقه، حيث حمل القصف الاسرائيلي رسالة موجهه للامريكان الذين يجهزون طبختهم السياسية ، خاصة بعد الحديث عن زيارة كوشنر سهر ترامب و غرينبلات مبعوثه الخاص لما يسمى عملية السلام للسعودية و المكوث اربعة ايام هناك. رسالة الاسرائيليين لهم اننا مع (مساعدتكم) في الوصول لما تبتغون و لن نعطل جهودكم السياسية ولكن هناك من يهدد الامن و يستمر في حفر الانفاق ، لذلك قبل ان تباشروا العمل السياسي يجب تنظيف غزة من السلاح. واسرائيل لن تقبل الولوج في عملية سياسية وهناك تهديد مباشر لها، وان هذا الامر يتطلب سيطرة السلطة بشكل كامل على غزة تحت الارض و فوق الارض كما قال احد مسؤولي السلطة ذات يوم.
اذن، هي رسالة مباشرة لكل الاطراف التي لها علاقة بالمصالحة و لها علاقة في عملية السلام المرتقبة بأن عليهم زيادة الضغط على حماس و على الفصائل لنزع سلاحهم.
الرسالة ايضا هي للجانب المصري الذي اصبح الان يتمتع بعلاقة و ثيقة مع كل اللاعبين الفلسطينيين و على رأسهم حماس. هو ان عليكم ان تبذلوا جهدا اكبر في هذا السياق ، و هو اختبار لقدرة المصريين على ضبط الايقاع في غزة .
لذلك و بعد القصف و بعد ان اتضح ان هناك عدد كبير من الشهداء بادرت اسرائيل بالاتصال مع الجانب المصري الذين بدورهم تواصلوا مع الجهاد و حماس وباقي القوى لمنع رد فعل يؤدي الى فقدان السيطرة على الوضع و بالتالي ينسف كل الجهود التي بذلت حتى الان على صعيد المصالحه الفلسطينية.
حتى لان، الفصائل الفلسطينية، خاصة حماس و الجهاد، استطاعوا ان يمتصوا الضربة و يكظموا غيظهم وعدم الانجرار للعواطف و المشاعر الجياشه بكل ما فيها من ألم. لغة العقل و الحسابات بميزان الذهب هي التي تحكمت في اتخاذ القرارات ، وهذا امر جيد و يعبر عن روح مسؤلية و قدرة قيادية عالية .
مع ذلك ولان اسرائيل لا تترك الامر للصدفة اخذت بعين الاعتبار ان هذا الامر قد يؤدي الى رد فعل قاسي ، خاصة من الجهاد الاسلامي ، لذلك نشروا بطاريات القبة الحديدية في الجنوب واستدعوا بعض الاحتياط و الغوا بعض الاجازات و طلبوا من سكان غلاف غزة عدم الخروج من بيوتهم، و في نفس الوقت ارسلوا رسائل تهدئة مفادها ان اسرائيل غير معنية بالتصعيد.
ما حدث هو اختبار، حتى الان تجاوزته الفصائل بنجاح مع كل الالم للدماء الغزيرة و العزيزة التي سالت ، ولكنه ليس الاختبار الاخير وليس الاختبار الاكثر قسوة او ألم، ما زال ينتظر الشعب الفلسطيني بشكل عام و غزة بشكل خاص الكثير من الاختبارات.
رحم الله الشهداء و اسكنه فسيح جناته والصبر و السلون لذويهم و الشفاء العاجل للجرحى .