كان وعد بلفور سيظل حبراً على ورق، لو لم تعتمد السياسة البريطانية سياسة فرق تسد، فالعدو يعرف أن التفرقة هي أقصر الطرق لحسم المعركة، لذلك فإن أول واجباتنا الوطنية هو الحرص على الوحدة الوطنية الفلسطينية كأقصر الطرق لتصفية أطماع الأعداء بأرضنا العربية.
وعلى طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية للرد على وعد بلفور، فإن الواجب يقضي بأن يصير التعامل مع الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والشتات على أنه شعب واحد، له مصالحة المشتركة، وله عدوه المشترك، والقاسم المشترك للشعب الفلسطيني هو الانتماء لهذا الوطن، وليس الانتماء لهذا التنظيم أو ذاك الحزب، وبالتالي فإن الوظيفة الحكومية يجب أن تكون من حق كل أبناء الشعب وليس من حق أبناء هذا التنظيم، وضمن هذا المنطق، فإن مهمة الشرطة الفلسطينية هي خدمة كل أنباء الشعب الفلسطيني دون تميز، وهي تمثل كل أبناء الشعب الفلسطيني دون انتماء حزبي، ولعل هذه المقدمة تشكل منطلق حديثي الناقد لتصريحات اللواء حازم عطا الله مدير عام الشرطة الفلسطينية لإحدى الفضائيات العبرية حين قال:
الشرطة التي ستقف على الحواجز في قطاع غزة هي شرطتنا، شرطتنا نحن، هذه الشرطة شرطتنا!!!
وهذا حديث مستغرب من أي فلسطيني لا يشغل موقعاً قيادياً، فكيف لو كان حديثاً موثقاً لمدير عام الشرطة؟ إذ كيف تكون تلك الشرطة التي عملت في رام الله شرطة فلسطينية، بينما الشرطة التي عملت في غزة لسنوات ليست شرطة فلسطينية؟
لقد خدم رجال الشرطة في غزة أكثر من عشر سنوات بإخلاص وأمانة، ووفاء وعطاء، وبلا راتب، وبلا ميزانيات ترفيهية، وبلا خدمات استثنائية، وبلا نثريات، لقد حاربوا الجريمة، وأبدعوا في معالجة القضايا ليومية، وقضوا على الفساد، وفرضوا سيادة القانون، فكيف يصير النظر إلى هؤلاء الشرطة على أنهم ليسوا من شرطتنا؟ فهل هم من شرطة البرازيل أو أثيوبيا؟
التفرقة والتمايز أكثر ما يخشاه شعبنا الفلسطيني، لأن بلفور بوعده اعتمد هذه السياسة، ونجح في السيطرة من خلال سيادة فرق تسد، سياسة فرق تسد تستفز شعبنا، الذي يخشى من الذي يفرق اليوم بين رجل الشرطة هذا ورجل الشرطة ذاك، أن يفرق غداً بين المواطن هذا والمواطن ذاك، وهذا ليس من أخلاق الشرطة بشكل عام، وليس من واجباتها الوظيفية التي تفرض عليها أن تكون على الحياد، وألا تكون منتمية لأي حزب، وأن تنظر للمجتمع من زاوية تطبيق القانون فقط، لا من زاوية هذا المواطن لنا وهذا المواطن علينا.
الوطن فلسطين للجميع، والعيش على هذا التراب من حق الجميع، وكذلك الوظائف والمناصب العليا هي حق للجميع، تماماً مثل التضحية بالنفس والولد، فهي واجب على الجميع، وكل استثناء أو تمايز مرفوض، وسيضر بمن يمارسه، فالشعب الفلسطيني يدرك خطورة المرحلة، ويراقب كل تصرف للمسؤولين، ويخزن في الذاكرة مثل الجمل؛ الذي يصبر على الجوع والعطش، ولكنه لا يصبر على الظلم والقهر.