كشف حساب

رامي مهداوي.jpg
حجم الخط

مخطئ من يعتقد أن القضية الفلسطينية تتلخص في الرسالة التي قام وزير الخارجية البريطاني "آرثر جيمس بلفور" بتوجيهها إلى اللورد "ليونيل آرثر روتشيلد"_ أحد قادة التجمع اليهودي البريطاني_ لكي ينقلها إلى "الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى"؛ محتوى الرسالة كان وعداً بإنشاء وطن "قومي" لليهود في فلسطين.
برأيي أن الظروف التي أنضجت كتابة الرسالة؛ والخطوات الفعلية بعد الوعد التي تم تنفيذها في بناء الكيان الاستعماري أهم من الرسالة بحد ذاتها. إن العقلية العربية والإسلامية، خصوصاً بعد فترة السلطان عبد الحميد الثاني، لم تستطع مواجهة الصهيونية والتحالفات الأوروبية المتنوعة التي تسعى إلى التخلص من اليهود كمحصلة نهائية، وأياً كان الأمر فقد نجح الأوروبيون في ترحيل المشكلة اليهودية إلى العالم العربي والإسلامي، ولم يكن لهذا الخلاص أن يتحقق إلا بإنهاء السلطان عبد الحميد الثاني، وقد تم ذلك.
ما هو مطلوب الآن منّا كشعب ليس فقط أن نلْعن وعد بلفور وأتباعه، أو الاكتفاء بطلب الاعتذار، بقدر ما علينا أن نقوم بكشف حساب يستند على الماضي وما حدث، ويستشرف 100 عام قادمة ضمن قراءة واقعية للواقع العربي والإقليمي والعالمي، والأهم النظر إلى جذور الصهيونية وما بعد الاحتلال وأين وصلوا بعلاقاتهم العربية التي انتقلت من مرحلة تحت الطاولة إلى مرحلة على مرأى ومسمع الجميع.
كشف الحساب سيكون مؤلم لنا كفلسطينيين ليس من باب جلد الذات للواقع الذي وصلنا له، لكن بقدر عدم مقدرتنا على الإجابات الإستراتيجية في كيفية التخطيط وإدارة مستقبلنا بعد 100 عام من الاستعمار المستند على التطهير العرقي بحق شعبنا.
لهذا، عدم أخذ خطوات استباقية في ظل واقع عربي وإسلامي مُتهدم بانهيارات ما بين التجزئة والتبعثر سيقودنا إلى نهاية الهنود الحمر في سياق فلسطيني؛ من حيث سيناريو اجتثاث الجذور وزراعتها في أراض أخرى يتم تطبيع العلاقات معها بشكل سريع في هذا الوقت، أو من خلال تدجين ما هو قائم بما يتلاءم مع المشروع الصهيوني، وبالتأكيد ما هو حاصل الآن يجمع بين السيناريوهين.
ستأتي ذكرى وعد بلفور العام القادم ونحن مكانك قف!! نتقن فقط عدّ السنوات لذكرى الوعد 101 102..103...104.. وإصدار بيانات ومؤتمرات صحافية!! دون أن ندرك أن بلفور فقط وعد، لكن هناك من قام بالتنفيذ على أكمل وجه؛ بلفور كان بداية قتل الجسد العربي بالاستيلاء على القلب_فلسطين_ لدرجة بأن دولة الاحتلال أصبحت الحامي لعدد من العواصم العربية في كافة الميادين. آن أوان كشف الحساب حتى لو كان دون رصيد، حتى نعرف ما لنا وما علينا!!