لا نبغي عصا سحرية

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

حاولت جاهدة إقناعي بأن ما نمر به من أوضاع في الوطن هي أمور طبيعية تمر فيها كل المجتمعات الإنسانية، وبما أنني أسير المنزل لإصابة في القدم بات متاحاً لي أن أكون مستمعاً جيداً ومصغياً بإمعان، وبما أنك متفرغ نوعاً ما فإن القراءة ونيس والتلفاز والمواقع الإلكترونية وحديث الناس الذين يزورونك دون فلترة وبالتالي تستطيع أن ترسم صورة وتصوراً، يصعب الاقتناع برأيها تماماً ولا تستطيع أن تقلل من أهميته.
واضح أن الناس في بلدي لا تطلب فانوساً سحرياً لتخرج منه المارد؛ ليلبي رغبتها، ولا تطلب عصاً سحرية تحول الحياة إلى جبل من الذهب، وبالتالي لم يعد مقبولاً أن تعالج كل القضايا تحت عنوان "الناس تبالغ ولا تقدر الواقع" سواء الرغبة بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى، مروراً بضمان عدم تلوث مياه الشرب بالمياه العادمة ليست مبالغة أو قرار إداري بوقف مصادرة أسطوانات الغاز دون رقبة وتدفيع ثمنها للمواطن ومن ثم بيعها مرة أخرى بأشكال مختلفة.
الناس لم تكن تطلب المستحيل عندما رفعت صوتها وقالت: يجب تصويب أوضاع سوق خضار بلدية البيرة، وكان أمراً مستحيلاً في نظر الجميع الذين لم يحركوا ساكناً، واليوم نرى أن إرادة بلدية البيرة جعلت الأمر ممكناً وتعاون أصحاب البسطات بصورة لم تكن متوقعة وبات وهم المستحيل واقعاً ممكناً وميسراً.
اليوم باتت المطالبة بتشغيل عدادات التاكسي الداخلي مسألة مستحيلة واتركوها جانباً ودعوكم من المبالغة وهي ممكنة ببساطة إلا أن الإرادة غائبة، وتطوير مجمعات التوقف المركزية في المدن كان مستحيلاً وتصطنع اصطدامات في وجه تنفيذ الخطة التطويرية وتتدخل جهات لا علاقة لها بالمواقف للاصطدام مع البلديات لشل قدرتها على الفعل وإذا نجحت بلدية تتشجع البقية، إلا أن شل القدرة على الحركة تحت يافطة المبالغة بالمطالبات يبرر وقف الإجراءات وبس.
والحديث عن مسالخ صحية وصديقة للبيئة في جميع المحافظات أمراً بات ملحاً وليس مستحيلاً وليس مبالغة، وكذلك الحال إنشاء أسواق خضار مركزية.
وإذا قلنا: إن التأمين لا يغطي الركاب في حوادث السير إذا استقلوا المركبات الخصوصية في السفر يصبح ضبط الأمر مستحيلاً بالكامل ولا يوجد قدرة لوجستية للضبط وبالتالي يصبح لدينا مئات المركبات "الخصوصي" التي تعمل على الخطوط الخارجية وبالتالي الداخلية لأنها تكمل مشوارها داخل المدن ولا نضبطها.
والغريب أن الأمور لا توصف بالمبالغة بل تغلف بالواقعية والأحقية. عندما يحتج أصحاب مكاتب التاكسي على تطبيقات إلكترونية لتسيير قطاع النقل تربط المسافة بالزمن ويصبح الربط ممكناً وواقعياً، وعندما تعطل شركات الباصات وأصحاب الخطوط الخارجية للسيارات مشروع تحديث قطاع النقل العام.
"الأريو" وتعويض فائض النقل على خطوط أخرى يصبح الأمر واقعياً.
والغريب إذا قيل: إن سعر كيلو البندورة والكوسا والزهرة والبطاطا مرتفع، يقال فوراً: إنه أمر مؤقت ولا داعي للمبالغة، وإذا قلنا: إن الأدوية المستوردة لذات الشركات سعرها أعلى من ذاتها في السوق الإسرائيلية يصبح الأمر من باب المبالغة، أما أصحاب مكاتب التاكسي لهم كامل الحق ونقابة أخصائيي البصريات لهم كل الحق.
قاطعتني محدثتي وقالت: أرأيتَ. نحن نمر بذات الظروف والأوضاع.
قلت: نحن بحاجة لإنفاذ القانون وعدم اللجوء للعقوبات الأقل. وزارات الاختصاص شغلها الشاغل تنظيم القطاعات التي تشرف عليها وتطويرها والنهوض بها. نحن جزء من أهداف التنمية في العالم للعام 2030. نحتاج لتنظيم وضبط السوق وتوحيد الجهد الرقابي الرسمي استناداً للإطار القانوني الناظم وليس لأجندة المانحين فقط إذا أرادوا لنا خلوة لبرمجة توحيد الجهد. قطاع النقل يجب أن يواكب التطور الإلكتروني وتطبيقاته وألا يتقاتل معه فيخسر.