يسيطر الغضب على عناصر حركة "فتح" في قطاع غزة، خصوصاً الموظفين الحكوميين الذين يتلقون رواتبهم من السلطة الفلسطينية في رام الله، بعد سلسلة من الإجراءات التي طاولتهم والتي بدأت قبل ستة أشهر من خلال الخصومات التي حصلت على رواتبهم والمستمرة حتى اليوم، والتقاعد الإجباري الذي طاول العشرات من العسكريين والمدنيين في غزة.
وأصدرت السلطة الفلسطينية قوائم بأكثر من 6500 موظف عسكري يتبعون لها في قطاع غزة أحالتهم للتقاعد الإجباري قبل يومين. وقبل ذلك أحيل العشرات من الموظفين المدنيين والعسكريين إلى التقاعد الإجباري، من دون تواصل مباشر بين المتقاعدين وأجهزتهم ووزاراتهم ما صعب المشكلة.
وفي الغالب، يذهب الموظف الحكومي إلى البنك لتلقي راتبه فلا يجده، فيعرف أنه أحيل للتقاعد، وهذه مشكلة أخرى، أثارت خلافات داخل حركة "فتح" التي تقود السلطة الفلسطينية، والتي يعتبر معظم موظفي السلطة في غزة من عناصرها أو مؤيديها.
وعلى الرغم من أن العقوبات والخصومات فُرضت على الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية لإجبار حركة "حماس" على حل لجنتها الإدارية، إلا أنه بعد حل اللجنة لم يتغير شيء ولم تتوقف الخصومات ولم يعد للموظفين ما خصم عليهم، والذي يصل شهرياً إلى 30 في المائة على الأقل من رواتبهم.
ويعتبر عناصر حركة "فتح" في غزة، وكثير من قياداتها، ما يجري خطأ آخر من قبل السلطة الفلسطينية بحق الحركة، ويرون أنّ ما يحدث استهداف غير مباشر للتنظيم الذي يعاني صعوبات كثيرة قبل استحقاقات مهمة، وقد ترتد هذه الخطوات على "فتح" سلباً في أي انتخابات مقبلة أو استحقاقات محلية."
يرى عناصر حركة فتح ما يحدث استهدافاً غير مباشر للتنظيم الذي يعاني صعوبات كثيرة قبل استحقاقات مهمة
ولم يحصل غالبية موظفي السلطة الفلسطينية الذين تلقوا تعليمات من القيادة بالتوقف عن العمل بعد سيطرة "حماس" على القطاع بالقوة على علاواتهم والامتيازات التي يحصل عليها نظراؤهم في الضفة الغربية، ما أثار أيضاً إشكاليات داخلية.
وبات يُخشى من خطوات أخرى تقوم بها السلطة الفلسطينية تجاه موظفيها في غزة، إضافة لموظفي حكومة "حماس" السابقة والذين سيجري دمجهم في الوظيفة الحكومية، في غضون الأشهر الأربعة المقبلة، وفق اتفاق المصالحة الأخير في القاهرة.
وعلى الرغم من الجدل الدائر حول قرارات التقاعد الإجباري، إلا أنّ السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" لا تصدران مواقف عن هذه القضية، وهو ما يثير المزيد من الغضب في صفوف المتقاعدين والموظفين الذين بات مصيرهم مجهولاً.
ووفق معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فإنّ قيادات محلية في "فتح"، ومسؤولي أقاليم للحركة في القطاع، قدموا استقالاتهم من مناصبهم التنظيمية نتيجة القرارات الأخيرة للسلطة، فردت السلطة عليهم بقطع رواتب الموظفين منهم وإحالة آخرين للتقاعد.
ويشكو القياديون المحليون والعناصر "الفتحاوية" من عدم إصدار موقف من قيادة الحركة في غزة تجاه خطوات السلطة، بدءاً من الخصومات وليس انتهاءً بالتقاعد الإجباري، الذي لوحظ أنه يطاول صغيري السن أيضاً من الموظفين وليس كبار السن فقط.
في السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل لـ"العربي الجديد"، إنّ سلسلة القرارات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية طيلة الشهور الماضية كانت تحت تبرير إجبار حركة "حماس" على حل لجنتها الإدارية التي شكلتها لإدارة الشؤون الحكومية في القطاع، إلا أن الأمر لم يعد مبررًا الآن.
ولم يخرج أي مسؤول من مسؤولي السلطة أو حكومة الوفاق الوطني للحديث عن أسباب ومبررات هذه القرارات والتقاعد الإجباري المبكر الذي طاول آلاف الموظفين العسكريين خلال الشهر الأخير والذي قد يطاول آلاف الموظفين المدنيين أيضًا، وفق عوكل. ويوضح أنّ القرارات تخرج عن مسؤولي السلطة والرئيس محمود عباس من دون أن يجري شرح الهدف من وراء هذه الخطوات لا سيما بعد إحالة أكثر من 7 آلاف موظف عسكري للتقاعد في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن ترتيب الأجهزة الأمنية ضمن اتفاق المصالحة.
ويرى عوكل أن هذه الإجراءات التي تتخذ ستضر بشعبية حركة "فتح" بشكل كبير، وستؤدي دوراً هاماً في تعزيز شعبية الخصوم السياسيين للرئيس عباس، كالقيادي المطرود من الحركة محمد دحلان وحركة "حماس" وغيرها من الفصائل والأحزاب السياسية.
وتوقع عوكل أن تشهد الفترة المقبلة اتخاذ السلطة الفلسطينية قرارات جديدة بتقاعد المزيد من موظفيها في الشق المدني والعسكري، في الوقت الذي ما تزال فيه الأسباب غامضة ومجهولة وهو ما سيكون له انعكاسات سلبية واضحة على حركة "فتح" بالذات.