انتحار جماعي للحيوانات، وللبشر (1من 2)

عبد الغني سلامة.jpg
حجم الخط

قبل أشهر، ذكرت مصادر إخبارية محلية عن شهود عيان أن قرداً، يدعى "ريكو"، في حديقة الحيوانات برفح جنوب غزة، شنق نفسه منتحراً.. وأكدت جماعات عديدة تعنى بالحيوانات، أن ظروف تلك الحديقة بالغة السوء والقسوة.
وفي أندونيسيا، بحديقة "سورابايا" للحيوانات، والتي توصف بأنها الحديقة الأكثر قسوة في العالم؛ انتحر أسد يسمى "مايكل"، حيث حشر رقبته بين قضبان قفصه الحديدي. وفي هذه الحديقة أُعلن موت 43 حيواناً داخل أقفاصها بسبب سوء المعاملة، ومن بينها زرافة تناولت 20 كيلوغراماً من البلاستيك.
ويرى علماء أن بعض الحيوانات لديها قابلية على الانتحار؛ العقرب مثلاً، إذا استشعر بالخطر، خاصة عندما تحاصره النيران، يلدغ نفسه في ظهره ليموت على الفور.. النمر، حينما تحين منيته، ويضعف، وتخور قواه حتى لا يعود قادراً على الصيد، يُلقي بنفسه من علو ليموت منتحراً.. ومن المعروف أن طائر الكنار، الذي يعيش منذ أجيال طويلة في الأقفاص، إذا مات رفيقه في القفص يموت من بعده خلال أيام قليلة من الحزن، حيث يمتنع عن الطعام، ويفقد شهيته للحياة.. وأيضاً إذا تم حبس غزال بري في قفص، فإنه سرعان ما يموت كمداً وضيقاً.. لذلك تُؤخذ الغزلان وهي رضيعة بعمر أيام، ليتم ترويضها على الأسر.
في مقال على موقع "تسعة" بعنوان: الانتحار عند الحيوانات: كيف ولماذا تنتحر الحيوانات كالإنسان؟ جاء فيه نقلاً عن مجلة "تايم سينس" أن دلفيناً يسمى "فليبر"، نظر إلى الحاضرين وفي عينه نوع من الحزن، كأنه يرمقهم بنظرة وداع، قبل أن ينزل تحت الماء ويتوقف عن التنفس بإرادته حتى مات. ويبدو أنه تعب من العروض اليومية.. وأضاف المقال قصة انتحار كلب من نوع النيوفاونلاند، حدثت عام 1845، وكتبتها مجلة "أنباء لندن"، أن ذلك الكلب الجميل جرى قاصداً بركة المياه ليرمي نفسه فيها دون أن يحاول مقاومة الغرق، بل إنه استسلم ووضع رأسه تحت الماء بشكل مقصود. ويورد المقال قصة أخرى عن حصان، وهذه القصة رواها "أرسطو" نفسه، يُقال: إن حصاناً تعرض لخديعة من أصحابه وأجبروه على تلقيح أمه، ولما اكتشف ذلك انتحر.. ويُذكر أيضاً أن بغلاً لمجموعة من "البيشمركة" الكردية كان يتلقى معاملة سيئة، ويتم تحميله أثقالاً كبيرة، وذات مرة حين كان يمر على طريق وعرة في إحدى الجبال الشاهقة، وعند أحد المنعطفات ألقى البغل بنفسه من فوق الجبل ليسقط، ويتخلص من عنائه ومن ظلم البشر.
وفي قصة حقيقية كتبها "مصطفى محمود" عن أسد في السيرك القومي المصري، يدعى سلطان، قتل مدربه "محمد الحلو" في لحظة هياج، فتملكه شعور بالندم، وحين أودع في القفص انطوى على نفسه، ودخل في حالة اكتئاب، وأضرب عن الطعام، ثم بدأ يعض نفسه، فقطع ذيله إلى نصفين، ثم عض ذراعه حتى هشمها، واستمر كذلك إلى أن مات.
ما سبق يمكن تصنيفها حالات فردية، بيد أنه هناك حالات انتحار جماعية للحيوانات.. لنبدأ بأصغر الكائنات؛ البكتيريا، والتي عندما تنتقل إلى بيئة معينة، تمر بأربع مراحل: أولها التأقلم، ثم النمو والتكاثر اللوغاريتمي، ثم الثبات، أي تباطؤ معدلات تكاثرها، وهنا تبدأ معالم الأزمة، والتي تنتهي بالموت الجماعي للبكتيريا.. بحيث لا يعود لها أثر، والسبب أنها استنفذت مخزون الغذاء.
الفئران، وهي من أكثر الحيوانات ممارسة للانتحار الجماعي.. تذكر المصادر أن الفئران في منطقة الهضبة السورية قرب بحبرة طبريا ازدادت أعدادها بشكل خطير قبل سنوات، لدرجة أن موارد المنطقة لم تعد تكفيها، ما يعني أنها ستواجه خطر الفناء، ولذلك أقدمت عشرات الآلاف منها على رمي نفسها من على جرف هائل لتلقى حتفها، حفاظاً على البقية.. ومثل هذه الظاهرة تتكرر أيضاً في النرويج، ففي كل سنة تزحف مئات الألوف من الفئران لتلقي بنفسها في بحر الشمال.
وأيضاً اعتادت حيوانات الليم الجبلية على الانتحار الجماعي، حيث تضحي مجموعة منها بقتل نفسها، لينجو الباقون، تحدث هذه الظاهرة في الشتاء القارص حين تنعدم الموارد الغذائية.
في نيوزلندا جنح أكثر من 400 حوت إلى شواطئها في شباط 2017، استطاع المتطوعون إنقاذ نحو مائة منها، بينما نفقت البقية، بحسب ما أعلنت سلطة حماية البيئة، والتي أكدت أن هذا الجنوح الجماعي هو ثالث أكبر جنوح للحيتان يسجل في نيوزلندا.. ومثل هذه الظاهرة تكررت عشرات المرات في مناطق مختلفة من العالم، ويرجح علماء أن السبب يعود للتضاريس البحرية التي تجعل الحيتان تعلق في المياه الضحلة. وبعضهم رجّح بأنّ السبب هو مرض قائد قطيع الحيتان، حيث وبسبب مرضه يتعرّض لتشوشّ في معرفة تحديد اتجاهاته، وأثناء هجرتهم السنويّة، يقوم بتحديد مسار رحلتهم بشكل خاطئ، ليتبعه البقيّة، ويكون الموت بانتظارهم. بينما أكد علماء آخرون أن هذا السلوك عبارة عن انتحار جماعي لأسباب ما زالت قيد الدراسة.
وقبل سنوات نشرت الصحف التركية خبراً عن قطيع من الأغنام، تساقط من فوق أحد الجبال بشكل متعمد، حسب شهود عيان، وذلك عندما قفز خاروف إلى الهاوية، ثم قفز من ورائه 450 خاروفاً، في حادثة غريبة، لم تُعرف أسبابها.
إذن، حيوانات عديدة، من أصغرها إلى أضخمها تمارس الانتحار الفردي والجماعي، لأسباب كثيرة، أغلبها بهدف حماية النظام البيئي.. أيضاً الغابات تحرق نفسها.. فإذا استثنينا الأسباب التي يقف وراءها البشر في حرائق الغابات، التي تلتهم سنوياً مئات الآلاف من الأشجار، هناك أسباب طبيعية، أهمها أن النظام البيئي يبرمج نفسه بحيث تتكرر الحرائق كل مدة معينة، ليتاح المجال لنمو أشجار جديدة، وتجديد النظام البيئي بأكمله، كما يرجح العلماء.
ما علاقة كل ذلك بالبشر؟! موضوع المقال القادم.