13 حزيران 2015
لا تقتل حملة الـ»بي.دي.اس» الناس، ولكنها قد تكون المعركة الاشد التي تقف امامها دولة اسرائيل. هذه حرب حياة أو موت على الصورة والهوية لمواطنيها. اذا ما خسرنا في هذه الحرب، سنصبح إسرائيل رسميا دولة منبوذة. وعندي أخبار أسوأ بكثير: فليست دولة اسرائيل هي المنبوذة بل أنا وانتِ وانتم وانتن – كلنا منبوذون.
إذا كانت مشكلة المنبوذين في اسرائيل هي شبه انكار، ففي أوساط يهود العالم ولا سيما البارزين منهم، هذه ضربة قاضية. «مهمتنا هي أن نعرض اسرائيل الحقيقية»، قال حاييم سبان، الملياردير والفهيم السياسي بشكل عام، في مؤتمر الطوارئ لمعالجة الـ»بي.دي.اس» الذي بادر إليه شلدون ادلسون. ولا استطيع أن اوصي كبار رجالات القمار والالعاب كيف يعمل المال، ولكن ليس لديهم ذرة أمل في أن يواجهوا الاعلام العالمي الذي يعرض اسرائيل على مدى 24 ساعة في الاسبوع «اسرائيل الحقيقية» في الضفة والقطاع.
ويعود سبب فزع الرجلين الى أن نبذ اسرائيل يعلق بيهود العالم، وهذا شر للروح وشر للتجارة. «هل المقاطعة ترتبط بسياسة حكومة اسرائيل؟»، تسأل دانا فايس (القناة 2) ادلسون. «اناس مثلك يقولون...»، يجيب ادلسون، «هل هذه حقا ضد سياسة اسرائيل؟»، هم يصورون اسرائيل كشريرة قبل ان يعلن أحد ان هذه سياستها».
حسنا، لا معنى لخوض جدال مع من يدعي بأنه يعرف ما هي اللاسياسة الاسرائيلية. كما لا معنى ايضا للجدال مع نائبة وزير الخارجية، تسيبي حوطوبلي («الرب أعطانا البلاد»، «توراتنا المقدسة»). مفهوم أن رجال وزارة الخارجية ايضا يفهمون ان هذا هذيان، ولكن بعد الحياة مع الهذيان الخاص بليبرمان، فإن الحرب ضد المقاطعة جاءت لهم بالبهجة. فلديهم «حرب»، وميزانيات واجماع – فما الضير؟ وباستثناء انعدام الجدوى، فإن هذه غاية عمل وزارة خارجية في حكومة ملها العالم. ولادلسون على الاقل توجد طفولة صعبة يمكن أن تفسر دوافعه: «الناس يمكنهم أن يوافقوا او لا يوافقوا على سياسة الحكومة»، يقول، «ولكن لا صلة لهذا باللاسامية. وعندما كنت فتى ...» وما شابه.
وبالفعل، اللاسامية هي أداة الاعلام الاكثر انتشارا لحكومات اليمين. ضد المستوطنات؟ لاسامية. مع دولة فلسطينية؟ لاسامية. خسرنا في المباراة؟ الحكم لاسامي. يرفضون العرب في اسرائيل؟ لاساميون. ومثلما في الفوتوشوب السريع، ترتبط اللاسامية بالعنصرية والكارثة وتتحول اسرائيل دفعة واحدة من قوة عظمى شرق اوسطية مسلحة وعنيفة حتى اذنيها الى طفل خائف يرفع يديه في غيتو وارسو.
هذا لا يعني أنه لا توجد في العالم لاسامية. فهي تربض كالجمر السام منذ ايام العداء لليهود وبعد أن كانت مقبولة مثل كراهية العرب في اوساط الجموع القومية المتطرفة في اسرائيل. غير أن العالم المتنور، ولا سيما بعد الكارثة، يخوض كفاحا خاصا به ضد اللاسامية مثلما يخوضه ضد كراهية الآخر.
كقاعدة، عندما يكون العداء لاسرائيل جراء مشاهد الاحتلال يرتبط باللاسامية القديمة تطفو هذه الجديدة، التي هي خليط من رواسب اللاسامية واللااسرائيلية المحتلة. هذه الظاهرة يفترض أن تقلق، ان لم يكن تخيف، ليس فقط شلدون وسبان بل ايضا الاسرائيليين الذين لم يشهدوا مظاهر العداء على المستوى الشخصي جراء كونهم اسرائيليين ويهودا.
وبينما يستثمر هذان الرجلان، أدلسون وسبان، الحملات والايدي، قفز على نحو شبه تلقائي البروفيسور والمحامي الن درشوبتش ليقول ان «هدف رجال الـ»بي.دي.اس» ليس تحقيق سلام بين دولتين، بل ابادة اسرائيل. إذاً، تعالوا أولاً نهدئ روعكم: المقاطعة لا تستهدف ابادة اسرائيل (لا تستطيع ذلك)، بل وقف الاحتلال والحصار على غزة. صحيح أن درشوبتش قال: «انا مع دولة فلسطينية مثل معظم الاسرائيليين»، ولكن ماذا بالنسبة للسيد نتنياهو؟ هل يوم الجمعة في الساعة العاشرة والنصف هو مع دولة فلسطينية أم ضدها؟ وهذا هو كل السحر الذي في «الاعلام» على نمط بيبي.
مقاطعة الواقع
بالمناسبة، فشلت، هذا الاسبوع، حملة اعلامية تعود لعشر سنوات وانفق عليها ملايين الدولارات حول اوهام الاعتراف الاميركي بالقدس كعاصمة اسرائيل. ومثلما في حينه، اليوم ايضا يتزود كل «اعلامي» بصندوق ادوات منطقية وواقعية يستخدمه في الحرب ضد الـ»بي.دي.اس». المشكلة هي ان المقاطعة تنال الزخم لأنه بدون أن تشعر، بعد سنوات من التنقيط الثابت لمظاهر الاحتلال، اجتزنا كدولة وكمجتمع الخط الغامض للشرعية. فاليوم نحن نوجد في وضع المجرم الفار الذي من حق كل مواطن متنور أن يطلق النار عليه.
ان فكرة أنه يمكننا بوساطة «الاعلام» أن نمنع مزاجا حسيا ما هي فكرة سخيفة. 100 مليون، ولا يهم في أي عملة، خصصت للحرب ضد المقاطعة، وفي هذه الاثناء فإن «الاعلام» سيضرب اعداء اسرائيل بالصدمة على الركبة، وحتى الصحف الاقتصادية تبلغ عن انخفاض دراماتيكي في التصدير الى اوروبا، وعن الخوف من أن تنتشر المقاطعة لمنتجات المستوطنات لتشمل منتجات اسرائيل.
وكل هذا مقدمة للعقوبات السياسية ليوم غد. الصحيح هو أن الدول، بما فيها الاوروبية، تعارض الآن المقاطعة الاقتصادية او الاكاديمية. بل ان الرئيس الفرنسي يتحفظ على مبادرة المقاطعة اللحظية التي قام بها رئيس اورانج العالمية ستيفان ريشار، ولكن من المحظور ان نخطئ. معظم بلدان العالم ترى في مقاطعة الـ»بي.دي.اس» اداة ناجعة توضح لاسرائيل ما الذي ستواجهه اذا ما استمرت في رفضها.
وهذا لا يتعلق بالمال فقط. فالمنظمة الطلابية العليا في بريطانيا، والتي تمثل ملايين الطلاب في مؤسسات التعليم العالم، قررت الانضمام الى حركة الـ»بي.دي.اس»، وقد اتخذ القرار باغلبية 19 صوتا مقابل 4. ومن اجل الايضاح لمن يلوح باللاسامية على ماذا يدور الحديث، فإن ملحق القرار بالمقاطعة يندد صراحة بالتواجد العسكري الاسرائيلي في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
ان حل وزيرة العدل شكيد اكثر جرأة من حل نائبة وزير الخارجية، تسيبي حوطوبلي: «مقاطعة المقاطعين»، أو بلغة البشر «مقاطعة الواقع». ومن أجل الايضاح للسيدة شكيد بأنها ليست فقط «تبسيطية»، كما وصفها برقة المستشار القانوني للحكومة، بل منقطعة عن الواقع ايضا، كنت أقترح عليها أن تحاول الطلب في مطعم تل أبيبي نموذجي نبيذا من مخمر «غوش عتصيون» وتسمع رد المالك. كما كنت سأوصيها الا تجري استطلاعا اسرائيليا داخليا يسأل من كان سيرفض شراء منتج ما اذا كان يعرف ان هذا منتج في مستوطنة (انا مثلا). اخشى ان الجواب كان سيجبرها على مقاطعة نصف الشعب، ولكنها في واقع الامر هي ورفاقها يفعلون ذلك على أي حال.
ان المقاطعة الحقيقية لسياسة الحكومة يجب أن يقودها مواطنو اسرائيل. في 2011 سن «قانون المقاطعة» الذي يسمح برفع دعاوى التعويض على كل شخص يدعو الى المقاطعة على دولة اسرائيل، وافترض بأنه مع التواءة تشريعية اخرى سيكون ممكنا معاقبة ايضا من يدعو الى المقاطعة ضد الحكومة. الى أن يحصل هذا، فإن مئة الف سيارة مع ملصق «نحن ايضا نقاطع الحكومة»، قد تكون المنعش الرسمي للصيف.
عن «معاريف»