خطاب أيهود باراك الاستراتيجي في مؤتمر هيرتسيليا

20151206213125
حجم الخط

13 حزيران 2015

عُقد مؤتمر هيرتسليا السنوي، هذا الأسبوع. وكانت فيه خطابات مهمة. الخطاب الأكثر حدة ودقة واقناعا كان للمواطن القلق ايهود باراك. فقد تواجد في جميع ايام المؤتمر، جلس في الصف الاول، واستمع للخطابات والنقاشات كطالب متحمس. وكان ينقصه اخراج مفكرة لتسجيل الخلاصات. وعندما جاء دوره ألقى خطابا قياديا نادرا في نوعه، مع تحليل جيوسياسي وعالمي استراتيجي ونانو كيميائي، فقط هو يستطيع التحدث به. سألت كيف يمكن لهذا الرجل اللامع أن يفقد البوصلة في كل مرة يتسلم فيها المقود؟ متى سيأتي القرصان الذي سيكتشف الجرثومة لدى باراك، أو الدودة التي سيطرت على برنامجه، كي نهنأ به بشكل عملي وليس بشكل نظري فقط.
اسأل نفسي هل يفهم باراك ما الذي قام به. لقد تحدث قبل رئيس الحكومة نتنياهو بقليل، ولم يقتصد في انتقاد بيبي. فهو يعرف أن التصفية الموضعية التي نفذها بحق غابي اشكنازي قد حرمت الدولة من بديل عقلاني ومقنع لصالح السلطة الأحادية الأبدية لنتنياهو. هل سيندم على ذلك؟ أنا على يقين أنه لن يندم. اشخاص من نوع باراك لا يندمون. ويمكن أنه ما زال يرى نفسه البديل العقلاني الوحيد. فهو لديه القدرة على الاقناع، وتحديدا بأربع عيون، حيث أقنع نفسه وبقي أن يقنعنا.

ما زال نتنياهو مستغربا
بعد باراك جاء دور نتنياهو، كان خطابه ممتازا. بدون تهكم، شاملا، لافتاً، مشتعلا، دقيقا ومقنعا. فقد بدأ باللغة العبرية وانتقل الى الانجليزية ثم عاد الى العبرية ومرة اخرى الى الانجليزية، وكان من الصعب زعزعة استخلاصاته أو تشخيصه. أعتقد أن نتنياهو يرى ويحلل الواقع بطريقة غير سيئة. مشكلته هي أن نظاراته تميز الأنغام وتتجاهل الأضواء. إنه يواظب على رؤية الاشياء السوداوية ولديه أفضلية: في منطقتنا، وخلال فترتنا يوجد الكثير من الاشياء السوداء التي يجب رؤيتها.
أعتقد أن نتنياهو على حق فيما يتعلق بخشيته من الاتفاق مع الفلسطينيين في فترة يشتعل فيها الشرق الاوسط ويتفكك. وأعتقد أنه على حق بخشيته من الاتفاق بين اسرائيل والقوى العظمى برئاسة الولايات المتحدة. مشكلتي مع بيبي هي عند الانتقال من الكلام الى الافعال، لأنه حسب رأيه فإنه يحرم نفسه من أي امكانية لتحقيق الانجازات. وهذه هي السياسة الخالصة.
حول الموضوع الايراني قلنا كل شيء. لو أراد نتنياهو التأثير لفعل ذلك من الداخل وليس من الخارج. وقد فضل اعلان الحرب على الرجل الأقوى في العالم بدلا من أن يكون صديقه ويتقرب منه، وآمن أن شلدون أدلسون مهم لمستقبلنا (ولمستقبله) أكثر من باراك اوباما. استدعى نفسه الى الكونغرس وحاول التفريق بين الديمقراطيين والجمهوريين وخلق شرخ بينهم وبين الرئيس – هذه المحاولة التي لا يمكن أن تنجح. وهو لن ينجح في وقف السباق على الاتفاق (اذا تحقق) في الكونغرس، لقد نجح في التسبب بالضرر الاستراتيجي في علاقاتنا مع الولايات المتحدة.
الموضوع الفلسطيني أكثر تعقيدا. العالم شبع من الخطابات. وهو يقوم بامتحان نتنياهو بناءً على الافعال. مشكلة بيبي أنه لا يوجد شخص في الكرة الارضية يثق بأية كلمة يقولها. وقد أضاع الفرص على أمور تافهة. وأخل بجميع وعوده وتصريحاته خلال الحملة الانتخابية فقط من اجل الحصول على مقعدين اضافيين، والآن هو يستغرب لماذا لا يثق به أحد عندما يعود الى حل الدولتين.
في خطابه في مؤتمر هيرتسليا تطرق نتنياهو بتوسع الى العملية السياسية مع الفلسطينيين. بعد أن دفنها كما يُدفن الحمار، وأعلن أن الدولة الفلسطينية لن تقوم في عهده. من سيثق به اذاً؟ يستطيع نتنياهو ترميم مصداقيته من خلال قرار واحد: تجميد البناء في المستوطنات خارج الكتل الكبيرة وراء جدار الفصل. خطوة كهذه ستثبت صدق نواياه وطهارة يديه. وسيفهم العالم أنه لا يقول فقط، بل ينوي أيضا. خطوة كهذه مهمة لاسرائيل وصورتها وشرعيتها، وهي تستطيع اخراج الهواء من بالونات المقاطعة التي تنتفخ أمامنا. لا تستغربوا من زحف مدير عام «اورانج». وقد تم إهدار دم اسرائيل منذ زمن، والمقاطعة الرمادية موجودة هنا، والعالم ضاق ذرعا بنا من رفضنا، ومن استمرار سياسة المستوطنات المتسارعة، وهو يريد أن ندفع الثمن.
من اجل منع هذا يجب المبادرة. لا أحد يتوقع من نتنياهو اعادة اراض، وتجميد البناء في البؤر الاستيطانية النائية أمر شرعي ويمكن تحمله وهو لا يكلف ثمنا كبيرا، وسيكون مردوده كبيرا جدا. لكن بيبي ليس هناك. لماذا؟ لأن المستوطنين هم الذين انتصروا في الانتخابات، وهو لا يستطيع الانفصال عنهم. هل المصلحة الوطنية تصطدم مع المصلحة السياسية؟ ماذا اذاً؟.
يمكن أن يتغير كل هذا قريبا. لقد بدؤوا يتحدثون في البنية السياسية عن «اعادة التشغيل» في الخريف القادم. وحسب خطته سيضم نتنياهو هرتسوغ الى حكومته في تشرين الاول، وهو سيقوم بفعل ذلك من خلال «خطاب بار ايلان 2» مع التشديد على المبادرة العربية، والاعلان عن تجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية. لن يستطيع هرتسوغ الرفض، وقد قلنا إن هرتسوغ يتصعب الرفض. بيبي سينزل الاميركيين والاوروبيين وتهديدات الائتلاف واورين حزان عن ظهره. سيحصل هرتسوغ على وزارة الخارجية وينسحب «البيت اليهودي» أو يتم اخراجه، وسيحصل هرتسوغ ايضا على وزارة العدل اضافة الى 4 – 5 وزارات اخرى. ستتوسع الحكومة في حينه لأنه لا مناص، الوحدة مطلوبة، وسيجلس هرتسوغ على الكرسي ويتنفس الصعداء، ويقوم باصلاح علاقات اسرائيل الخارجية.
لا تقطعوا الأنفاس. فلن يخرج من كل هذا اتفاق سلام. موقف نتنياهو من هذا الامر لن يتغير، لكنه نجح في ابتزاز ست سنوات من خطاب بار ايلان، وليس هناك سبب يمنعه من كسب 18 شهرا من خطوة كهذه. كل ما يحتاجه هو تجاوز فترة اوباما الذي بقي له عام ونصف العام. بعدها يكون هرتسوغ في الداخل والائتلاف مستقر وكل شيء على ما يرام. في المرة القادمة التي يريد فيها تجنيد المستوطنين سيضطر الى العمل بشكل مضاعف، لكن بيبي لا يخاف أبدا من العمل الصعب.
هذه هي الخطة. ولا أحد يعرف اذا كانت ستحدث. فهرتسوغ ليس هناك بعد، ونتنياهو ايضا. الدبلوماسية الدولية تهتم بالتفاصيل. الاميركيون يأملون بحدوث ذلك، ويتوقع أن يضغطوا على هرتسوغ، وهم يريدون ايضا نهاية جيدة مع نتنياهو. اوباما يريد الاتفاق مع ايران وأقل ضرر وازعاج من بيبي. جميع عناصر هذه الطبخة جاهزة. والسؤال هو هل ستجد الوعاء الملائم؟

عن «معاريف»