أراضي محررات غزة ما بين محاولات الاستثمار الناجح والفشل

زراعة محررات غزة
حجم الخط

الناظر من بعيد لمساحة الأراضي التي انسحبت منها إسرائيل قبل عشر سنوات من قطاع غزة، والتي تبلغ مساحتها أكثر من 15 ألف دونم، قد يعتقد أنها لا تزال كما هي عليه بعد الانسحاب. وعن قرب فإن مشاريع كثيرة ما بين مساحات لزراعة الحمضيات والنخيل وتربية الدواجن وبرك الأسماك واستصلاح الأراضي وغيرها تجري على الأرض.

بعض هذه المشاريع لم يحالفه الحظ للنجاح بفعل الحروب الإسرائيلية المتكررة على القطاع، وعدم التخطيط الجيد من بعض الجهات المشرفة.

 وأقوى مثال على السبب الثاني مشروع بيرحاء الذي شمل زراعة أكثر من 50 ألف نخلة على مساحةٍ تُقدَر بـ 500 دونم في خان يونس، وباء بالفشل التام وخسائر تقدر بملايين الدولارات، رغم اشراف وزارة الزراعة في الحكومة الحادية عشر عليه بشكل مباشر.


وفي هذا السياق يقول المختص في نظم جغرافيا البيئة بغزة وحيد الناقة إن بعض مشاريع النخيل غير المخطط لها بشكل جيد، باتت تشكل خطرًا يضرُّ بالبيئة، اذ تطلّب مشروع بيرحاء سحب الكثير من المياه الجوفية الموجودة في باطن الأرض لينعكس سلبًا على البيئة وليساهم في استنزاف مخزون المياه الجوفية على حد قوله.


ويضيف المختص " هناك شروط واجب توافرها في موقع النخيل ولم تراعيها وزارة الزراعة في اختيار مكان مشروع بيرحاء، اذ يجب أن يكون بعيدًا عن خط الساحل، وبعيدًا عن الآبار التي تحتوي على كميات عالية من النترات، وأن يكون على تربةٍ تتميزُ بحفظ الماء لفترة طويلة".
ويتابع " جميل أن تكون الزراعة ثقافةً وفكرا تقرأ الواقع والممكن, وتحلل الماضي وتسترشد بالمستقبل، وتستثمر ما توفر من أرض قليلة وماء قليل، لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي".


وقدّر محمد الشاعر مدير عام الإدارة العامة للمحررات الخسائر المباشرة للقطاع الزراعي فيها نتيجة القصف الإسرائيلي في الحرب الأخيرة بحوالي ثلاثة ملايين دولار، ويقول " تعرضتْ المشاريع الزراعية المختلفة في المحررات قبل أسبوع من بدء الحرب الأخيرة إلى حوالي 30 غارة متتابعة استهدفت مخازن ودفيئات ومزارع".


ويضيف: "الخسائر غير المباشرة كانت كبيرة جدًا أيضًا، حيث أدى عدم تمكن المزارعين من الوصول لمزارعهم إلى تعرض مساحات واسعة للجفاف، منها 300 دونم للتفاح، وكثير من دونمات العنب والشمام". وتساءل قائلًا:" هل يشكل الزرع مشكلةً كبرى لإسرائيل كي لا تتركه بحاله ويستفيد منه المواطنون المحاضرون في غزة لسد حاجاتهم ؟ ".


وأشار إلى أن وزارة الزراعة بغزة تعمل على متابعة هذه الأضرار على الأرض، والتعامل معها ميدانيًا عن طريق مختصين باستمرار، وان كان العمل يسير بصعوبة في كثير من الأحيان، نظرًا لعدم توفر كل الإمكانات اللازمة.


وطالب المسؤول الجهات الدولية المعنية بالزراعة بفضح جرائم اسرائيل ضد الأرض والزرع والشجر، ومساءلتهم على حربهم المستمرة هذه التي تتم بدون أي مبررات واضحة، ومقاطعة منتجاتهم الزراعية.


ويقول الشاعر انه يتم التعامل مع المحررات على أساس أنها مخزون استراتيجي للمساحة في قطاع غزة، لا سيما أن القطاع هو البقعة الأكثر اكتظاظًا في هذا العالم. ويضيف" سنحافظ عليها لحاجتنا لها، كما أننا بصدد البدء في زراعة بعض المساحات بالأشجار الحرجية، وجعلها مفتوحة للمواطنين".


ويفسّر لمجلة آفاق البيئة والتنمية بالقول " إن زراعة الأشجار الحرجية على أرض المحررات سيترك أثرًا ايجابيًا على البيئة، وسيمنح المواطنين فرصة الاستمتاع بهذه المناطق الخضراء". ويتابع:" نسعى لأن تكون كل أراضي المحررات مستغلة بشكل كامل، وفي نفس الوقت على استصلاح حوالي 2000 دونم محيطة بالمحررات لاستغلالها بشكل مناسب لصالح الأرض، والحفاظ عليها، وحمايتها من التعديات".


وكشف عن أنه تم تحقيق مبدأ الاكتفاء الذاتي في بعض أصناف الفواكه كالعنب اللا بذري، والبطيخ، وكذلك بعض الخضروات كالخيار والليمون والفلفل، شاكرًا الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص الذي يشارك في مشاريعٍ على الأرض، وتستفيد منه الحكومة في الدعم والتوجيه في كثير من مشاريعها الزراعية.


وأضاف" نحن لا ننافس في مشاريعنا القطاع الخاص أبدًا، بل نكمل دوره، فالقطاع الخاص أحد الأعمدة الأساسية للاستثمار الجيد في المحررات، حيث يرعى مشاريع مهمة تتعلق بالزراعة والثروة الحيوانية كتربية الدواجن والديك الرومي، والأغنام والأبقار واستخلاص الحليب منها".
وعن استغلال مساحات واسعة في مشاريع ترفيهية وسياحية للتنفيس عن المواطنين، قال " لدينا متنزه خان يونس الإقليمي ومنتجع أصداء "، كما تم استغلال مساحة واسعة لأجل أحياء سكنية كحي البراق والحي القطري والسعودي والهولندي والياباني وأحياء أخرى.


لكن الأحياء السكنية التي تم استغلال بعض مساحات الأراضي المحررة غرب خان يونس لبنائها، باتت تعاني في الفترة الأخيرة من تراكم مخلفات القمامة الملوثة، والأكثر من ذلك القيام بحرقها، مما يترك دخانًا ملوثًا ينقله الهواء إلى أماكن السكان، وبالتالي التسبب بأمراض الجهاز التنفسي عند الأطفال وكبار السن.


ويقول محمد عرام ( 23 عامًا ) أحد سكان المناطق المحيطة إن حرق مخلفات المحررات ينعكس سلبًا على صحة الناس، ناهيك عن الرائحة الكريهة التي تنبعث في الليل، وعبّر عن سخطه من هذا الأمر بالقول:" لو كان هنالك تخطيط جيد، ووعي صحي، لما وضعوا هذه المخلفات قرب أماكن السكن، وقاموا بحرقها".


وتابع قائلًا:" الناس لا تعرف ما الأثر الذي يتركه هذا التصرف، وعلى الحكومة أن تتحمل مسئوليتها أيضًا اتجاه أرواح الناس والتحرك لضبط هذه التصرفات، والحد منها، وتوفير حاويات وتأمين أوضاع عمال النظافة أيضًا كي يقوموا بعملهم على أكمل وجه".

نقلا عن مجلة آفاق البيئة والتنمية