يؤمن بعض الفلسطينيين بأن النائب محمد دحلان قد يعود على رأس السلطة الفلسطينية ، على الرغم من أنه يفترض أن يكون الآن مطرودا ومعزولا ومحاربا، هو ومن يواليه في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما ترى صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية.
ويعود هذا الافتراض إلى أنه (أي دحلان) له رجاله وأمواله ووسائل إعلامه في الداخل (الضفة وغزة) ولديه علاقات متقدمة مع دول كبيرة مثل مصر أو الإمارات، وقوى أخرى مؤثرة إقليميا ودوليا، ولأنه صاحب خلفية أمنية ليست بسيطة جعلته على اتصال مع مخابرات الدول القريبة والمعنية.
ويستخدم دحلان الآن كل أدواته تلك في حربه ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ناشطون في حركة فتح موالون له، ووسائل إعلام مختلفة ومتعددة، والأموال التي يجري توظيفها بأكثر من طريقة «ناجحة». ويعد ميدان العمل الخيري أحد أهم وأحدث الميادين التي دخل إليها دحلان في الأشهر القليلة الماضية.
وأمس فقط، وزعت اللجنة الوطنية للتكافل المحسوبة على دحلان صكوكا مالية بمبلغ 5000 دولار لكل عائلة «شهيد» سقط في الحرب الأخيرة على قطاع غزة. ظهر النائبان أشرف وجمعة وماجد أبو شمالة بشكل استثنائي، وقاما بتوزيع الصكوك المالية على العائلات الكثيرة التي أرهقتها الوعود الكبيرة بإعادة إعمار القطاع ودعمهم اقتصاديا دون أن يتحقق شيء. وجاء الحفل الكبير بعد 5 أيام من إعلان دحلان نفسه، عزم دولة الإمارات على «دعم الآلاف من عائلات شهداء شعبنا الفلسطيني الذين ارتقوا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014»، مضيفا: «استمرارًا للعطاء الإماراتي الدائم ستقوم اللجنة الوطنية للتكافل بتوزيع «منحة الشهيد» التي أقرتها القيادة السياسية الإماراتية على أسر شهداء حرب 2014، وبقيمة 5000 دولار لكل أسرة، وذلك خلال الأيام القادمة».
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، لكن في وقت سابق زارت جليلة دحلان، وهي زوجة محمد دحلان، غزة عدة مرات وقدمت دعما كبيرا لمحتاجين في المخيمات الكثيرة، وأشرفت من خلال مؤسسة المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني (فتا) على علاج 600 حالة عقم في غزة والضفة ونظمت عرسا جماعيا لـ400 شاب من قطاع غزة، بينما تواصل دعم مشاريع اقتصادية مختلفة.
وقال المحلل السياسي طلال عوكل لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر يتجاوز موضوع مساعدات وفقط، إنه توسيع للقاعدة الاجتماعية والسياسية».
ويرى عوكل أن ذلك يفترض أن يقلق خصومه. وخصوم دحلان هم بشكل أساسي الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة حماس كذلك. لكن حماس تسهل لدحلان العمل في قطاع غزة لأسباب يعتقد عوكل أنها تعود عليها بالفائدة، وهي تعزيز الخلاف بين تيار دحلان وتيار اللجنة المركزية التي يرأسها عباس. وأكثر ما يثير غضب وقلق السلطة الفلسطينية الآن هو هذا التعاون بين حماس ودحلان.
وتخشى أوساط أمنية فلسطينية من اتفاق دحلاني حمساوي ضد عباس، ينطلق من قطاع غزة. وكان مسؤولون في حماس جاهروا بضرورة التعاطي مع دحلان. وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن «التعاون بين دحلان وحماس في قطاع غزة عالي المستوى، ويستهدف إضعاف الرئيس الفلسطيني». وليس سرا أن الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية تسعى خلف عناصر دحلان بينما تقطع رواتبهم في قطاع غزة.
وبدأت الخلافات الطاحنة بين عباس ودحلان عندما كان الأخير عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح، إذ ظهرت الخلافات للعلن في نهاية عام 2010، بسبب هجوم شنه دحلان على الرئيس عباس وعائلته وشكوك لدى القيادة الفلسطينية حول «تآمره» على الحكم.
وفي يونيو (حزيران) من عام 2011، قررت مركزية فتح، فصل دحلان من عضويتها بعد ساعات من مغادرته رام الله، إثر محاصرة الأمن لمنزله واعتقال مرافقين له.
وبعد مناكفات عدة على فترات متباعدة، ومحاولات فاشلة للصلح بين عباس ودحلان، شن أبو مازن في مارس (آذار) الماضي أعنف هجوم ضد دحلان، كان يمكن وصفه بمحاولة إطلاق الرصاصة الأخيرة عليه، متهما إياه بالتخابر مع إسرائيل، وبالمسؤولية عن اغتيال قيادات فلسطينية، ملمحا إلى مسؤوليته عن تسميم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ورد دحلان فورا باتهام عباس بالتضليل، واتهامه بكل التهم التي وجهت إليه، ومن بينها محاصرة عرفات ومحاولة التخلص منه، إضافة إلى اتهامات بالفساد المالي.
وفي مايو (أيار) من العام نفسه أصدرت محكمة فلسطينية قرارا بالحكم على القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان، بالسجن لمدة سنتين بتهمة القدح والذم والتحقير بمؤسسات الدولة الفلسطينية.
وكان دحلان الذي يعرف بالرجل القوي في المؤسسة الأمنية حليفا لعباس قبل الخلاف الطاحن بينهما، كما كان أحد أقوى المرشحين في فتح لخلافته. ويرفض عباس اليوم كل الوساطات من أجل عودة دحلان.
وقال مسؤولون في حركة فتح لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس الفلسطيني يرفض أي مصالحة مع دحلان، ويصر على أن يأخذ القضاء دوره في محاكمة الرجل. وأضاف أحدهم: «ملفه أغلق وانتهى الأمر»، ومع ذلك يعترف آخرون أن شبح دحلان يطل بين الفينة والأخرى.