12 حزيران 2015
لم تستوعب الجالية اليهودية في أميركا بعد قصة الطالبة اليهودية، مولي هورفتس، من جامعة ستانفورد. انتهت القصة بضجة كبيرة، حيث تبدو ظاهريا نهاية جيدة، الا انها أبقت طعم المرارة في الفم. الطالبة اليهودية، التي ترشحت لمجلس الطلبة، اضطرت لمواجهة تحقيق حرج: هل أصلها اليهودي يصعب عليها المهمة عندما تضطر الى حسم أمور تتصل باسرائيل. "بالنظر الى أصلك اليهودي، كيف ستصوتين في موضوع مقاطعة اسرائيل"؟ هكذا سُئلت، أي ان الفرضية هي امكانية حدوث ذلك، والفرضية ايضا هي ان اليهود يتضامنون مع اسرائيل. والفرضية ايضا ان هذا التضامن قد يعيقهم من العمل في اوساط الطلاب الذين لا يتضامنون مع اسرائيل.
من المشكوك فيه أن تكون جميع هذه الفرضيات صحيحة، والامر غير المشكوك فيه هو ان هذه احدى الحوادث البارزة، وليست الوحيدة، التي تضع يهود اميركا موضع الصدام بسبب تأييد اسرائيل المحتمل.
وإن كان التأييد لاسرائيل حتى الان ليس له ثمن. أي امكانية تأييد اسرائيل دون ان يكون لذلك ابعاد سلبية على مكانة اليهود – الان توجد امكانية جديدة، ففي مناطق معينة على الاقل، يوجد ثمن لتأييد اسرائيل.
أي ان الشباب اليهودي يقف امام مفارقة مقلقة- تأييد اسرائيل والتعرض لصعوبات في الحرم الجامعي، من قبل المحاضرين او مزعجين آخرين او التنازل عن تأييد اسرائيل مطأطئا الرأس، من اجل عدم التورط.
هذه ليست مفارقة بسيطة، الشاب اليهودي في أميركا يذهب الى الجامعة من أجل التعلم. وبناء صداقات بهدوء. وليس من اجل الاحتكاك والصدام. الشاب اليهودي في اميركا متعود على معاملة جيدة واحتضان، من قبل المحيط غير اليهودي. واذا اضطر فجأة الى الحسم، يحسم احيانا باتجاه طأطأة الرأس. والاصعب من ذلك: من شأنه تطوير نوع من الغضب تجاه اسرائيل لأن وجودها، وحضورها في الحوار العام في اميركا، يثقل عليه. الامر الذي يضطره ان يكون سفيرا لشيء لم يطلب ان يكون سفيرا له.
على اسرائيل أخذ ذلك بالحسبان عندما تقوم بتجنيد يهود اميركا ضد المقاطعة.
هناك من يستجيب لنداء اسرائيل، وهناك من سيتردد، حركة المقاطعة من شأنها الحاق الضرر باسرائيل ذاتها، ولكن يجب الاخذ بالحسبان انها تستطيع الحاق الضرر ايضا بمن يتضامن مع اسرائيل. وفي المقدمة الجالية اليهودية القوية في اميركا.
يستمد يهود اميركا قوتهم من خلال اندماجهم في النخبة الاميركية – السياسية، الاعلامية، الاقتصادية، والاكاديمية، وهم يحبون هذا الاندماج، واذا نجحت حركة المقاطعة في التغلغل الى النخبة – وهذا هو هدفها – سوف يخسر اليهود.
هذه الحقيقة تدفع اليهود الى معارضة حركة المقاطعة على اختلاف اشكالها. وتردع ايضا اليهود وبالذات الشبان عن معارضة حركات المقاطعة على اختلاف اشكالها.
أجواء معادية
أظهر كل من شلدون ادلسون الجمهوري وحاييم سبان الديمقراطي، هذا الاسبوع، جبهة موحدة ونادرة في هذه الساحة. تجند ادلسون لتمويل نشاطات في الجامعة ضد ما سماه "تسونامي معاد لاسرائيل" لكن يجب قول الحقيقة: يحتاج النشطاء الى تواجد سبان البارز مثلما هم محتاجون الى اموال ادلسون، واذا وقف ادلسون ونشطائه فقط في هذا الصراع فانه سيوصم بوصمة اليمين سياسيا. ومعظم الطلاب اليهود ديمقراطيون وليبراليون.
اذا انضم سبان وجهات اخرى مقربة من الحزب الديمقراطي، فمن الممكن ان يتمسك الطالب اليهودي بهذه الشراكة، من الممكن وليس من المؤكد.
مع اعلان "مؤتمر الملايين" كما سماه عدد من الناقدين – مؤتمر لاس فيغاس الذي بحث فيه ادلسون وشركاؤه عن طرق للمساعدة في الحرب ضد المقاطعة – ونشر اللوبي اليهودي اليساري "جي ستريت" رسالة ليست متلهفة للمبادرة الجديدة، وقيل: نحن في المنظمة نعارض المقاطعة، و:جي ستريت: هي شريكة في محاربة المقاطعة في عدة جامعات اميركية. الا ان المنظمة تقول ان الانضمام لادلسون لن يخدم جهود كبح المقاطعة في جامعات اخرى. "حركة المقاطعة تصور مؤيدي اسرائيل على انهم متطرفون وعنصريون" جاء في الرسالة.
يوجد الكثير من المؤيدين لـ "جي ستريت" في اوساط الطلاب اليهود. الطلاب الشبان يميلون الى اليسار على العكس من آبائهم. وينتقدون اسرائيل اكثر من ابائهم. وكشبان يميلون الى الانضمام الى المنظمات الدارجة لا المؤسساتية. بعضهم يفضل "جي ستريت" على "ايباك". هؤلاء الطلاب، الديمقراطيون والليبراليون، الذين يميلون نحو اليسار يستغربون احيانا من الحملة التي يفترض أن ينضموا اليها.
هل هذه الحملة ضد اللااسرائيلية أم ضد اللاسامية؟ هل وظيفتهم هي الدفاع عن الاحتلال الاسرائيلي في "المناطق"، أم أنهم يدافعون عن شيء غال على قلوبهم، مثل حقهم في أن يكونوا يهودا فخورين في الجامعات دون التعرض للملاحقة والهجوم؟.
تميل إسرائيل الى التشويش على الفوارق، وتقديم أي انتقاد ضد اسرائيل ليس فقط لأنه اسرائيلي بل ايضا لاسامي. لكن يوجد الكثير من الاميركيين، وتحديدا من اليسار، يفضلون التركيز على اللااسرائيلي من قبل مجموعات المقاطعة، وليس على اللاسامية. واذا كان مفهوم اللاسامية يتعلق مباشرة باليهود فلا مناص لهم من الصدام معه، واذا كانت الحملة لااسرائيلية فقط – اذا كان الهدف الحقيقي هو انهاء الاحتلال الذي يعارضونه هم ايضا – فان من حقهم أن يقرروا تأييد الحملة أو تجاهلها.
هل الحملة ضد اسرائيل هي حملة لاسامية؟ يعتمد هذا على من نسأل. لا شك تقريبا أنها في اماكن معينة "تخلق أجواءً معادية للطلاب اليهود"، يقول مدير عام منظمة "هيلل" للطلاب اليهود، واريك فنغرهت. قبل ثلاثة اشهر نشر اثنان من الباحثين الاميركيين، باري كوسمين واريئيلا كيسار، بحثا جديدا حول اللاسامية في الجامعات الاميركية. وكان السؤال الذي سألاه يشير الى مستوى الضبابية الذي يعيب التعريف الواضح للموضوع مثار الحديث. اللاسامية في الولايات المتحدة لا تشبه اللاسامية في اوروبا، وما لا يؤثر في الطالب الاوروبي يمكن أن يزعزع الطالب في الولايات المتحدة.
سؤال للباحثين كان: "صحيح أن الموقف من اللاسامية مختلف بين الناس، لكن هل تستطيع القول إنك جربت أو كنت ضحية اللاسامية منذ بداية السنة الدراسية؟".
أكثر من نصف الطلاب اليهود المستطلعين أجابوا بـ "نعم" (54 بالمئة). وهذه نسبة كبيرة قياسا بالشعور النسبي بالأمان الذي يشعر به اليهود في الولايات المتحدة.
من يعاني من اللاسامية أكثر من الآخرين؟ ظهرت في البحث مجموعة واحدة مقابل مجموعة اخرى: طلاب نشطاء في "ايباك" (اللوبي اليهودي من اجل اسرائيل)، هم الذين يعانون أكثر، الامر الذي يؤكد على التداخل بين الشأن الاسرائيلي واالشأن اليهودي في الجامعات.
رسالة المحاضرين
في منتصف الشهر الماضي وقع 100 موظف اكاديمي في الجامعات في كاليفورنيا على رسالة تطالب بتبني تعريف وزارة الخارجية الاميركية لظاهرة اللاسامية.
قال النظام الاميركي في السابق إن "نزع الصفة الانسانية عن اسرائيل" أو مقارنة سياستها بسياسة المانيا النازية أو إقرار معايير خاصة تتعلق باسرائيل لا تُقر بالنسبة لباقي الدول أو نفي حقها في الوجود – كل ذلك يعتبر لاسامية.
في الجامعات في كاليفورنيا يُسمع الكثير من التلفظات التي تتجاوز هذا التعريف، ويريد المحاضرون من خلال العريضة التي وقعوا عليها تحسين الاجواء والغاء الشعور بأن جامعات كاليفورنيا هي "الاكثر لاسامية" في الولايات المتحدة.
لم تبق هذه الرسالة بدون رد، حيث وقع 250 شخص من الطواقم الجامعية على وثيقة طلبوا فيها من وزارة الخارجية الاميركية عدم توسيع تعريف اللاسامية كي لا يمس الامر كل من يحاول انتقاد سياسة اسرائيل. وقد شكلت الوثيقة ردا على القانون الذي سنه مجلس الشيوخ في ولاية كاليفورنيا والذي تبنى رسميا تعريف وزارة الخارجية، وحث الجامعات على التشديد على ذلك في الجامعات.
هؤلاء الاشخاص من السلك الاكاديمي سيصطدمون كما يبدو بعمل مثابر للجالية اليهودية المنظمة.
كشف تقرير لجنة مناهضة التحريض، بداية الشهر، عن ازدياد عدد حوادث اللاسامية في الجامعات، وشكل محفزا للعمل.
وقال التقرير إن معظم الجامعات لا توجد فيها مشكلة. ونحو 30 جامعة تُدار فيها حملات المقاطعة، وهذا الرقم هو ضعف ما كان في السنة الاكاديمية السابقة، وفي جزء كبير من المناطق التي تقام فيها هذه الحملات يجد اليهود أنفسهم مكشوفين دون أن يطلبوا ذلك.
"على الطلاب"، كتب رئيس اللجنة آيف فوكسمان، "أن لا يقوموا باخفاء هويتهم اليهودية من اجل المشاركة في الحياة الطلابية في الجامعة".
هذا صحيح بالتأكيد، إلا أن الواقع الحالي يُصعب حياة الطلاب الذين جاءوا الى الجامعة من اجل الدراسة وايجاد اصدقاء لهم، وليس من اجل المحاربة.
عن "معاريف"