اصوات أفراد لا أصوات شعوب

images (2).jpg
حجم الخط

أ لوحظ في الآونة الأخيرة، تكرار صدور أصوات أفراد عرب، نشاز، يمتدحون إسرائيل، وينكرون على الشعب الفلسطيني حقه الراسخ في وجدان شعوب العالم وشعوبهم، والراسخ طبعاً في قلب الحقائق التاريخية. وفي المعتاد، يستحث سماع هذه الأصوات الرميمة، تعليقات وتغريدات فلسطينية، تقع في الخطأ، فتهاجم الشعوب التي تنتمي اليها هذه الأصوات، ناهيك عن مهاجمة أنظمتهم السياسية!

في مصر العربية، شريكتنا الأولى في خوض الصراع مع الصهيونية، سُمعت أصوات من هذا الصنف. وعندما نفتش اليوم عن أشخاصها، نعرف أنها أندثرت أو ماتت وهي تحيا بيولوجياً، وبقي تعاطف الشعب المصري ومساندته لشعب فلسطين وقضيته. ففي مرحلة الخلاف السياسي على "كامب ديفيد" صال وجال رؤساء تحرير وكُتّاب، أصبحوا الآن في ذمة الله، وهؤلاء لم يتركوا أثراً يُذكر، حتى في وجدان وذاكرة المنتسبين للإعلام المصري نفسه، ولم تؤثر ثقافتهم قيد أنملة في ثقافة الأجيال اللاحقة من الإعلاميين. فالشعوب ومجتمعاتها هي مخازن الفضائل وحافظات البوصلة، وهي التي تُنجب وتدفع الى الواجهة أمثال مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة في الكويت وغيره كثيرون. كانت الأصوات النشاز، على مر المراحل، تتسم إما بضحالة الثقافة أو بوقاحة الإنكار.

ولعل أحدث هذه الأصوات، سُمع بلسان من يزعم أنه كاتب كويتي، ويُدعى "الهَدْلق" الذي تناوله أحد الكتّاب الكويتيين قبل نحو ثمانية سنين، وسلط الضوء على وقائع سرقته لنصوص آخرين ووضع توقيعه عليها. وإن كنا لا نكترث بثرثرة ذلك الضحل، فإننا نأسف على كون صحيفة "الوطن" الكويتية هي التي تنشر له، وتلك صحيفة عريقة، عُرفت بانحيازها للقضايا العربية.

ورحم الله أحد أهم قاماتها أحمد علي العامر، الذي كان نصيراً ومحارباً بالكلمة من أجل فلسطين. أما جهالة "الهدلق" فهي له وحده وليست لسواه ولن تؤثر في وعي من يقرأون له، إن كان هناك من يقرأون لهكذا قلم، بلغت به الضحالة، الخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم الشعب والأرض، وعدم قدرته على أن يفهم ألف باء التاريخ، لكي يتذكر أن الكويت الشقيقة لم تكن دولة في العام 1948 ولا حتى الجزائر، لكن الكويتيين كانوا حاضرين في بلادهم، ومعروفة أرضهم ومجتمعاتهم وثقافتهم. ونحن هنا لا نريد الإكثار من الأدلة على جهالته، لأننا لن نثقل عليه ونطالبه بأن يعرف عدد المرات التي ذُكر فيها الفلسطينيون وملك الفلسطينيين في التوراه نفسها قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة. فقد كان بمقدور الرجل، أن يمتدح إسرائيل دون التمحك بالتاريخ، فيثير سخرية واحتقار من يسمعونه، فهذا حقه! غير أن الذي اقتضى التنويه في هذه السطور، الى ظاهرة هؤلاء الصغار الذين لا يستحقون التعليق؛ هو أمر يتعلق بالسياسة وبالسجال الدائر الآن في الإقليم. فقد بدا لافتاً أن هؤلاء يطرحون خزعبلاتهم في سياق التهاجي مع إيران والهجوم على جماعة "الإخوان" وقد لوحظ أن هذه الأصوات، لا تجد من يزجرها ويكتمها، من خلفية تنم عن وعي بأصول اللعبة ومقتضيات الصراع نفسه. فمما لا شك فيه، أن هكذا أصوات، من شأنها أن تفيد إيران وأن تفيد "الإخوان" لأنها أولاً لا ولن تسطيع، مهما ثرثرت، أن تدحض الحق الفلسطيني الراسخ في الوعي الجمعي للأمة، وبالتالي فإن ثرثراتها تتسبب في نتائج عكسية، على اعتبار أن الانحراف البيّن في الحديث عن فلسطين، والامتداح الشائن لإسرائيل، سيجعل كل ما يقولون باطلاً في ناظر الأمة، بما فيه الكلام عن إيران و"الإخوان"! ولعل من المفارقات، أن أصوات هؤلاء، تقع برداً وسلاماً على آذان الإيرانيين الذين سيجدون فيها براهين مسموعة ومرئية على شطط بلداننا وليس براهين على شطط حفنة عبيطة من الأشخاص فاقدي المروءة,

وسيكون العكس هو الصحيح، في حال أن هذه الحفنة، على ضحالتها، هاجمت إيران وأعلت من شأن القضية الفلسطينية على النحو الذي يزاود على الخطاب الإيراني! ننصح الصحف ووسائل الإعلام العربية، التي تتيح لمثل هذه الشراذم، إسماع فحيحها، أن تداري هذه العورات، لأنها ستُحسب عليها وعلى أنظمتها، بينما هي اصوات أفراد لا أصوات شعوب. ففي وسع متابعي "يو تيوب" أن يشاهدوا على سبيل المثال، لقاءً في برنامج رمضاني على التلفزة السعودية، يُحاكم الكاتب الصحفي الكويتي فؤاد الهاشم، المتخصص في الهجوم على شعب فلسطين والمقاومة، ويستمع الى مداخلات عدد من الشُبان الصحفيين السعوديين، الذين أشبعوه ذماً دفاعاً عن شعب فلسطين وحقه في المقاومة. فمثلما نرى ظاهرة الحفنة الضحلة، يتوجب أن نرى ونتأمل الظاهرة الكبيرة!