منذ أن تفتحت أعيننا على السياسة والسياسسن ونحن إما نقرأ أو عايشنا شخصيات وطنية على مستوى أوطانهم وتعدى ذلك لأن تصبح شخصيات عالمية من خلال ما صنعوا من تاريخ مجيد لشعوبهم خاصة رجالات العالم المستعمر من قبل دول نهبت وصادرت واضطهدت وذلت شعوباً عديدة .
وهؤلاء استحقوا أن يكونوا قادة تحرير لبلدانهم ، فمنهم من أجمعت عليهم شعوبهم واعترف بهم العالم أنهم سطروا ملاحم بطولية كفاحية سياسية نضالية وخلصوا شعوبهم من براثن الاستعمار أو من أزمات كادت تعصف ببلدانهم مثال ذلك الرؤساء : عمر سوار الذهب الذي خلص السودان من حرب أهلية كادت تذهب به إلى تقسيم وتشطير ... وما أن اطمأن على بلاده وأوصلها إلى برّ الأمان ... أعلن تنحيه عن السلطة وسجل له ذلك من قبل العالم بأسره وحافظ على تاريخه واسمه وشرفه العسكري ... فهي نهاية مشرفة ، ومازال العالم يعتبر ذلك مضرب المثل في الوطنية والإخلاص وعدم البحث عن المناصب رغم أنه كان بمقدوره أن يبقى في سدة الحكم ولن ينال منه أحدٌ لأنه المخلص لوطنه .
ومثال أخر : ألرئيس الراحل نلسون منديلاّ الذي خلص ببلاده من حكومة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا وقضى سبعة وعشرين عاماً في السجن .... اختاره شعبه رئيساً وبعد أن أرسى قواعد الدولة ، واطمأن انها بمأمن ... أعلن تنحيه عن السلطة وتسليمها للرئيس توم امبيكي ...
انتقال سلس ومشرف للسلطة وخلّد العالم الرئيس الراحل نيلسون مانديلاّ .
ومثال ثالث : ألرئيس الفرنسي شارل ديجول الذي قاد شعبه في مواجهة الغزوة النازية في الحرب العالمية الثانية وأصبح بطل التحرير ... عندما انتخب رئيساً واضطر إلى أن ينهج سياسة لخدمة فرنسا لجأ لاستفتاء شعبي وعندما لم يحظ بالتأييد اللازم بفعل تآمر الإدارة الأمريكية والصهيونية العالمية ... أعلن تنحيه عن الحكم عام 1968م .
تلك النماذج التي تستحق أن يذكرها التاريخ بنهاية مشرفة ... أما غيرهم ممن اعتقد أن تتويجه بطريقة أو بأخرى اعتقد أنه يستحقها عن جدارة وتشكل له ضمانة وحصانة أزلية تمكنه من أن يعبث بمصير أمته وشعبه كما يليق له ... وأن من حقه أن يورث أبناءه أو زوجته ضارباً بعرض الحائط المعايير والأنظمة والأسس وحركة التاريخ ومنطق الأشياء كافة ... فلم يعد يهمهم إلاّ الاستفراد والتوريث مادفع الحراك الشعبي والقوى الحية أن تضطلع بمهامها لإنقاذ وطنها حيث اعتبرت أنها أمام شكل جديد من أشكال الاستعمار ...والهيمنة الفردية أو الأسرية ...
وكانت النتائج المذلة التي طالت بعض هذه القيادات التي اعتقدت أنها بمنأى عن المحاسبة مثال ذلك ؛ ما حدث مع قائد الثورة الليبية الذي اعتقد أن قائد الثورة مسمى يعطيه الحق بالتفرد فهو في حصانة أزلية وصاحب قرار غير قابل للنقاش وكانت النتيجة المذلة التي شاهدها العالم شامتاً بذلك ...
أما المثال الثاني ..... فهو ما حدث لقائد حركة تحرير زيمبابوي ألرئيس موجابي الذي يعتبر محرر البلاد منذ سبعينيات القرن الفائت وبلغ به العمر أرذله ومازال متمسكاً بالحكم وإذا تخلى فسيتخلى لزوجته ..
ما جعل أقرب المقربين منه وهم سدنة الحكم من الجيش إلى التدخل لوضع حد لهذه الحالة التي لم تعد تحتمل ...
ويضطر أخيراً إلى التنحى بعد هذا التاريخ المجيد ... إنها النهاية المذلة الحالقة لتاريخ نضالي حافل استحق موجابي أن يكون زعيماً من زعماء العالم ....
من هنا ... فإن حركة التاريخ لا تتوقف وأن وعي الشعوب في تزايد وأن التاريخ الشخصي لأي ممن يعتقد أنه حصانة فهو واهم ... فقد قبض ثمنه عبر سنوات الحكم البائسة ..
فالذي لا يحترم تاريخه ويحافظ عليه ويعي أنه ليس أزلياً فنهايته مذلة ...