المتغطي بأميركا عريان!

images.jpg
حجم الخط

 

من الواضح بأن الزمن الأمريكي يتجه نحو الأفول، ولم تعد امريكا الشرطي الذي يقرر مصير العالم، كما كان في عهد جورج بوش الأب وجورج بوش الإبن، وأيام غزو العراق واحتلاله، فالمتغيرات التي تحدث في المنطقة بعد سبع سنوات من الحرب العدوانية على سوريا والمشروع القومي العربي، تشير الى أن هناك تغيرات جيواستراتيجية كبيرة في المنطقة نتجت عن هزيمة المشروع الأمريكي- الإسرائيلي - في هذه المنطقة.

هذا التغيرات تؤشر بشكل قوي، بأن بطل الساحة بلا منازع هو بوتين، الذي يرتب اوراق المنطقة وحجارتها بقدرة وعناية فائقة، مستنداً الى صحوة الدب الروسي، فأغلب حلفاء أمريكا لم يعودوا واثقين بها وبسياساتها وتحالفاتها، وهم يشهدون تخليها عنهم، وفق الرؤيا الأمريكية القائمة على أنه لا حلفاء دائمين لأمريكا في المنطقة، بل مصالح دائمة، وكذلك التهديدات الأمريكية، لم تعد تخيف الصغار قبل الكبار، وهذه رسالة قوية للمنهارين والمرتجفين من العربان، والذين يعانون من عقدة " الإرتجاف" السياسي المستديمة في التعامل مع امريكا.

فالزعيم الكوري الشمالي، "كيم جونغ أون"، لم يأبه بالتهديدات الأمريكية، واستمر في تطوير ترسانته من الأسلحة الإستراتيجية واجراء التجارب الصاروخية للصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وهدد أمريكا بأنه سيرد بقوة على عدوانها وبلطجتها، وليقول لها إننا لسنا عرباً، دلالة على حالة الذل والهوان التي يعيشها الزعماء العرب، المدافعين عن عروشهم الهالكة، والناهبين لخيرات شعوبهم، ولتتراجع أمريكا ذليلة عن تهديداتها، وكذلك وقفت طهران بقوة أمام واشنطن، والتي حاولت أن تفرض شروطاً جديدة حول الإتفاق معها حول برنامجها النووي، ومنعها من تطوير صواريخ باليستية بعيدة المدى، وحلفائها الذين حرضتهم، سرعان من تراجعت عن دعمهم وحمايتهم، كما حصل مع اكراد العراق الذين حرضتهم على الإنفصال، وإقامة دويلة كردية في خاصرة الأمة العربية، على غرار دولة إسرائيل، ولكي تكون إسرائيل الثانية، لتتخلى عنهم ويسقط مشروعهم الإنفصالي، وكذلك هو الحال مع اكراد سوريا وتركيا، التي بدأت تدرك بأن الزمن الأمريكي في طريقه الى الأفول.

وها هي تراجع سياساتها الخارجية،ويبدو أنها ستولي وجهها نحو موسكو، وطهران، وتراجع سياساتها مع سوريا، في تغير يجب أن يلحظ في سياسة «الإخوان المسلمين»، ايضا الذين كانوا دوماً تحت العباءتين الأمريكية والبريطانية، وجزء من مشروع العدوان على العديد من البلدان العربية، وفي مقدمتها سوريا، ونحن نلحظ هذا التغير، ليس عند أردوغان، بل حكومة عمر البشير الذي قسم السودان وأفقرها، وزج بجيشها في الحرب على اليمن، و"إندلق" هو وحكومته على التطبيع مع اسرائيل والتغني بها وهاجم وزراؤه الشعب الفلسطيني، لعيون أمريكا ، ولتكون النتيجة التعري والعري الكامل له، دون ان ينال حتى المغفرة، والسماح له بالسفر وإسقاط تهمة إرتكاب جرائم تطهير عرقي بحقه، وهو يعلن بعد عودته من موسكو، بأن سبب أزمات المنطقة ناتج عن التدخلات الأمريكية في المنطقة، وانه لا حل سياسياً في سوريا بدون الرئيس الأسد.

وهذه رسالة واضحة لبعض الأنظمة العربية بأن السودان قد يتخلى عن تحالفه معها، وسيعمل على سحب جنوده الذين أغرقهم في المستنقع اليمني، وهذه الصحوة طالت حزب النهضة التونسي في صحوة اخوانية غير متوقعة...وحتى الدول والشعوب الضعيفة لم تعد تخشى أمريكا، فلبنان البلد الضعيف، إنتفض وجمع كل أوراق قوته ودافع عن عزته وكرامته، ورفض الإستجابة للشروط والاملاءات الخارجية بعد استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، التي اعلنها من الرياض وها هي مصر تتعرض لعمليات ارهابية دموية، كقتل مئات المصلين في مسجد الروضة في سيناء، على ايدي الجماعات الإرهابية التكفيرية ، في رسالة واضحه للمصريين، بأمن أمنكم واستقراركم، سيكون مهدداً، إذا ما استمريتم في ترتيب الملفات الفلسطينية والسورية واللبنانية وحتى اليمنية.

وكذلك الفلسطينيون لم يذعنوا للشروط الأمريكية في مسألة اغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ورفضوا الهرولة نحو قبول الشروط والإملاءات الإسرائيلية لما يسمى بالعملية السلمية والعودة للمفاوضات العبثية.

الدول التي تدرك حجم المتغيرات تسارع الى التقاط هذه المتغيرات، وتولي وجهها نحو الشرق، كما قال الرئيس بشار الأسد، الشرق حيث القيم والصدق والمبادىء والحضارة، وصدق التحالفات القائمة على الإحترام المتبادل، الشرق يعني روسيا وايران والصين، وغيرها من الدول التي باتت دعائم وركائز اساسية للنظام العالمي الجديد، ولكن هناك من هم مصابون بالعمى الدائم وعدم فرز الألوان، يستدخلون ثقافة الهزيمة و"الإستنعاج" عند شعوبهم ويروجون لها، تحت حجج وذرائع الواقعية والموضوعية والعقلانية، وهي فقط من ستجلب للعرب والمسلمين حقوقهم، ونهج المقاومة، نهج مغامر ومدمر،يستهدف تدمير البلدان العربية واستقرارها، ويعتقدون بأن أمريكا التي "تقشطهم" أموالهم ستهب لحمايتهم عندما تحين لحظة اقتلاعهم . فلا مركز الأبحاث والدراسات الإستراتيجي الإسرائيلي "هرتسيليا" ساحة اشتباك سياسي، ولا واشنطن "البعبع" الذي سيبتلع العالم، ولا هي اسرائيل بتلك الدولة القوية، التي ستشكل درع حماية للأنظمة وستخوض الحروب عنها بالوكالة، فآخر حرب خاضتها اسرائيل في تموز /2006 في عدوانها على حزب الله ولبنان، لم تنجح في تحقيق الهدف منها، وخسرتها بإمتياز، ولكن تكون اسرائيل قوية بضعف العرب وخوفهم ورعبهم وعدم وحدتهم، وليقول الشيخ حسن نصر الله بأن اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، وبأن زمن الهزائم قد ولى، وهذا زمن الإنتصارات، ونختم بما قاله الرئيس المصري السابق حسني مبارك " المتغطي بأمريكا عريان"، فأمريكا لم تنصر الشعوب المضطهدة والمظلومة يوماً، بل كانت تقف دائماً في صف أنظمة قمعية وديكتاتورية خدمة لمصالحها، وتدوس على كل ما ترفعه وتطرحه من حديث ممجوج وازدواجية وانتقائية معايير حول قيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان ومبادىء حق تقرير المصير للشعوب والديمقراطية واحترام مبادئ القانون الدولي والإتفاقيات الدولية ، عندما يتعلق الأمر بمصالحها،او الدفاع عن إسرائيل ومنع أية قرارات أو عقوبات قد تتخذ بحقها او تفرض عليها،نتيجة خرقها المستمر والدائم لمبادىء القانون الدولي.