16 حزيران 2015
كنتُ أظن أن الصعلوك الفرنسي، عاشق الفلسطينيين، جان جينيه، عبقري لمّا قرأ وجه ياسر عرفات وجاهياً وجانبياً (بورتريه وبروفيل).
صديقي بلال الخطيب، مصوّر سينمائي وفوتوغرافي التقط لي، بكاميرا هاتف آي فون ثلاث صور.. وقال: جينيه عبقري في قراءة تتعدّى الوجوه.
قلتُ: «لي الوجه إن شاخ المسيح». قال أدونيس: «طرقت وجهك أستجلي به طُرقي/ طرقتُ الريح والطرقا» يقولون: يمّم وجهه شطر الكعبة. وجه. توجّه. توجيه. جهات.. إلخ!
على جوازك وهُويّتك صورة وجهك وجاهياً، وللظنين والمجرم ثلاث صور بورتريه وبروفيل. العينان نافذتان متباعدتان قليلاً. فتحتا الخيشوم متقاربتان قليلاً.. الفم فتحة واحدة. المجموع: في وجهك خمس فتحات، وفي رأسك أضف فتحتي الأذنين. لا أهمية لشعر رأسك. كل عشر سنوات كلامك صورة لبطاقة هُويّة وجواز سفر.. (وفي أسفل جسمك فتحتان تسميان الأخبثين!).
هل «مثلث برمودوا» أسطورة؟ هل مثلث في وجهك قاعدته عيناك ورأسه أنفك يرسم سمات وجهك؟
نرسيس رأى صورة وجهه على صفحة الماء. قال صوفي «يراني ولا يرى ما أرى» لكن الناس ترى وجهك غير ما تراه. تراه وجاهياً (بورتريه) ويرونه في وجوهه الثلاثة، بورتريه. بروفيل أيمن. بروفيل أيسر.
ماذا قال جان جينيه لياسر عرفات؟ لك بروفيل أيسر لطيف وأنثوي، ولك بروفيل أيمن رجولي وقاس.. فصار عرفات يُسدل كوفيته على بروفيل وجهه الأيمن.
النوم نصف موت مؤقت. وجهك نائماً غير وجهك ميتاً. وجه الطفل الرضيع نائماً مرآة للصفاء، ووجه الرجل بعد الاربعين والخمسين هو صورة «النار الداخلية» التي على صفحة وجهك!
أماط اللثام عن وجهه؟ «سقط القناع عن القناع» كما قال الشاعر. ماذا إن خرس اللسان؟ وإن أطبقت شفتاك على لسانك تحدث وجهك بلغة يسمونها «البانتوميم» أو «سيماهم في وجوههم» شرط الممثل في السينما والمسرح أن يكون له وجه معبّر تقرأ على صفحته مشاعر: الوله. الرعب. الغضب. الخوف. الحيرة.. إلخ!
الزمان إزميل يحفر في وجهك، فإن كنتَ عظيماً يريدون تخليدك ينتظرون ساعتين ـ ثلاث لصفاء وجه الموت، ثم يصنعون لوجهك قناعاً لتمثال الشمع في متحف «مدام طوسو» مثلاً!
سألني صديق: «مِمَّ تخاف» قلت: «من شياطيني الداخلية». يقولون لكل إنسان قرين. يقولون إن بروفيلك الأيمن أو بروفيلك الأيسر هو قرين وجهك. قال لي بلال الخطيب: انظر إلى بروفيل وجهك الأيمن. انظر إلى بروفيل وجهك الأيسر. انظر إلى وجهك وجاهياً (بورتريه).. لك ولكل واحد ثلاثة وجوه. كل مخلوق هو «موجهن» دون حاجة لظنون التلوّن والانتهازية.
ماذا يفعل رسّامو «الكاريكاتير»؟ إنهم يبرزون بريشتهم تفصيلاً أو تفصيلين. شفاه غليظة مثلاً. أنف روماني أو افريقي، أو عيون غائرة أو جاحظة.. رأس مستدير، مربع.. أو مثلث.
على لوحة «الكي ـ بورد» يتسلّى الأولاد بصورة وجاهية أو بروفيل، ثم هذه البرامج: وجهك مخيف. مضحك حزين. فرح.. إلخ!
بعد الموت يصير وجهك جمجمة، وصارت عظام الجمجمة إحداثيات لإعادة رسم وجهك. الله يحيي العظام وهي رميم.
رأيتُ رؤية العين؟ من صورة نرسيس على صفحة الماء، إلى صورتك على هُويّتك، إلى صورة بروفيل وجهك: أيمن أيسر! لا أحد يحلق ذقنه.. لا أحد يضع ماكياجاً على وجهه إلاّ إذا نظر لوجهه بورتريه!
حسن البطل